تقرير....

تقرير....

دخل عليه جنكيز فوجده ممدّاً على سريره ضعيفاً مريضاً منهكاً لا يستطيع النهوض رغم محاولته ذلك ،فاكتفى برفع يده اليمنى قليلاً للترحيب بصديقه القادم لزيارته وبعينين دامعتين وصوتٍ مرتجف دعاه للجلوس.


هذه البلاد اللعينة المليئة بالعفونة والمرض والتخلف والكاذبين والمنافقين والمتذللين والساقطين والقوادين والسارقين والفاسدين، المحكومة بعصابات الجريمة المنظمة والسماسرة والقتلة المأجورين ، لن تفهم لغة السنابل الصفراء ، و الربيع الأخضر ، لن تسمح للورود بأن تعيش ،ولا للقبلة أن تنمو، ولا للطيور أن تغفو، ولا للأشجار أن ترتفع،ولا للقمر أن يرسل لونه البرتقالي لليلها المظلم، كل مواهب هذه البلاد إطالة عمر القنابل والرصاص والمسدّساتِ الكاتمةِ للصوت والنفايات والغُرزِ والمواخير وإطلاق النار على رأس الحرية.


كان دلو الممدّد على سريره جالساً في محله الخاص ببيع الألبسة في سوق المدينة المركزي قبل أعوام حين توقفت أمامه سيارة مرعبة لدوريّةٍ تابعة لأمن الدولة نزل منها عناصر مدججون بالأسلحة اقتحموا عليه المحل في دقائق وعبثوا بكل محتوياته واقتادوه بالضرب وبعبارات الشتم والإهانة إلى سيارتهم وانطلقوا به مسرعين كأنهم حققوا نصراً عظيماً.

ساقه حظّه العاثر أن يقع بين جهلة أغبياء حاقدين

غاب دلو الملقّب (داخليات) بين أصدقائه وزبائنه نظراً لمهنته كبائع ملابس أعواماً وهو ينتقل من تحقيق لتحقيق ومن فرعٍ لفرع ومن يد جلّادٍ قاسٍ ليد آخر أشدّ قساوةً وأكثر وحشيّة.


ربّما كان عمله الّذي حتّم عليه التعاملَ مع النّساء صنع منه شاباً لاهياً محبّاً للخمر والشربِ وخلع الملابس التي يبيعها نهاراً عن أجساد نسائه اللاتي يشترينها منه في ليله المجنون ، لكنه إلى ذلك كلّه كان مثقّفاً وكاتباً بارعاً وشاعراً شجاعاً ووطنيّاً مخلصاً وسياسيّاً عبقريّاً ساقه حظّه العاثر أن يقع بين جهلة أغبياء حاقدين ممّن التصقت مؤخراتهم المترهّلة بكراسيهم وارتمت عقولهم النتنة تحت أرجل مصالحهم وجيوبهم.