السّيرة الذّاتیَّة للملحن محمّد علي شاكر

السّيرة الذّاتیَّة للملحن محمّد علي شاكر

ولِد محمّد علي شاكر في مدینة الدرباسیة عام 1946 الواقعة في روج ئاڤاي كردستان، وبعد أن حصل علی الشهادة الثانویة انتقل مع عائلته للٳقامة والاستقرار في سري كانیه (رأس العین) التي كانت لها تأثیر كبیر في صقل موهبته الفنیة ودور أساسي في تكوینه البصري والجمالي لما تمتاز به المدينة من طبیعة خلّابة وجمال فتّان وما فيها من ینابیع میاه فيّاضة تنشر الخیر والبركة والجمال في كلّ مكان، تبهج النفس وتسرّ القلوب. في هذه الأجواء تفتّقت موهبته الفنیّة التي اجتمعت في تكوینها عناصر عدّة ذاتیة وخارجیّة، ولمع نجمه الفني وأصبح مع مرور الزمن أحد أكبر الرموز الفنیة في كردستان سوریا.

یُعتبر الفنّان محمّد علي شاكر أحد أكبر أعمدة الفنّ والموسیقا الكردیة في النصف الثاني من القرن العشرین وبدایة القرن الواحد والعشرین لما قدّمه خلال مسیرته الحیاتیّة من أعمال فنّیة جلیلة وإرث فنّيٍّ زاخر، حیثُ ومنذ انطلاقته سخّر حیاته في خدمة الفنّ والموسیقا الكردیة علی الرّغم من المعاناة والظروف القاسیة التي مرّ بها وأبناء المنطقة عامة من ظلم ومعاناة وقهر واعتقال لكنها لم تكل من عزیمته وإرادته فظلّ وفیّاً بمتابعة الطریق الذي اختاره ألا وهو خدمة الأغنیة الكردیة وتراث شعبه، فقد كان علی الدوام متفائلاً في نظرته إلی الحیاة، فأصبح فیما بعد صاحب مدرسة فنیة تستمد جذورها من التراث والتاریخ والفنّ الأصیل وتنهل من الفكر الإنساني النیّر، لذلك فقبل أن یكون شاعراً وملحناً ومغنیاً كان إنساناً بكل ما لكلمة من إیحاء ومعنی، مؤثّراً ومتأثّرا فیمن حوله وما یجري حوله من أحداث ومؤثرات.


مسيرته الفنّيّة وأبرز أعماله

بدأ الفنّان محمد علي مسیرته الفنیّة في الستینات من القرن الماضي، فكتب الشعر ومارس الموسیقا والغناء والتلحین إلی جانب اهتمامه بهوایات أخری كالرسم والتخطیط وكذلك ممارسة مهنة التدریس، فبعد أن حصل علی الشهادة الثانویة (الفرع العلمي) كما أشرنا درس أهلیة التعلیم أو الصف الخاص في مدینة حلب، وتابع فیما بعد دراسته في جامعة حلب فحصل علی شهادة الأدب الانكلیزي من جامعة حلب، ومارس مهنة التدریس لعدة سنوات، وتزوج عام 1975 واستقر بشكل نهائي في مدینته سري كانيه.

وبالعودة إلی مسیرته الفنیة، فقد بدأ منذ عام 1968 بكتابة الٱغاني وتألیف الألحان، فأولی الٱغاني التي كتبها ولحنها وغناها حسب قوله كانت أغنیة " زینبي zeynebê "، ثمّ تابع طریقه فألّف مئات الٱغاني ولحّنها وغنّاها طوال مسیرته الفنیة وحتّی قبیل وفاته، فغنّاها الكثیر من الفنانین وفي مقدّمتهم أخوه الفنّان المشهور محمود عزیز شاكر، وقد ترك الفنان محمّد علي ما یزید عن مئة أغنیة غیر مغنّاة لدی أخیه الفنّان محمود شاكر لیؤكّد مقولة إنّ الفنان یموت جسداً ولكن تبقی روحه خالدة علی مرّ الزمن. لذلك استطاع شقیقه الفنّان محمود عزیز شاكر عبر الدّعم الفنّي الذي قدّمه له أخوه أن یصل بصوته ٳلی العدید من المجتمعات خارج سوریا لیشكّلا معاً مدرسة فنیّة قدّما من خلالها إرثاً كبیراً للمكتبة الثقافیة والفنیة الكردیة في سوریا.

بلغت أعماله الفنیّة الإبداعیّة والتراثیة نحو 265 عملاً، وقدّم الموسيقی والألحان للعدید من الفنّانین، منهم: محمّد شیخو، وخۆشناڤ تیللو، وشهریبانا کود، وگلیستان،ومصطفی خالد، وزویا وغیرهم كثيرون، وكذلك فنّانون آخرون من بقیة أجزاء كوردستان. كما قام بتلحین الكثیر من قصائد الشعراء الكرد الكبار أمثال جكرخوین، وسیداي تیریژ، وبئ بهار، وکذلك كتب في مختلف الأغراض والمواضیع: الاجتماعیة، والقومیة، والإنسانیة وخاصّة المرأة والحب والحبیبة والوطن والرحیل والبیشمرگة والشهداء والمدن التي أحبها كقامشلو، وكوباني، وعفرین، وآمد، وهولیر. وكغیره من الفنانین الكبار تركوا بصمات فریدة في الٱغنیة الكردیة فكان لدیه الكثیر من الأغاني المشهورة التي أصبحت جزءاً من الذاكرة الشعبیة مثل: رێوي يۆ، گەورێ، یارا زۆر جوانە، بەر دڵیمن پڕ شێرینە، لۆلۆ لاوکۆ، ئەز کەچکەک کوردیمە وغیر الكثیر. وكما أشرنا هناك أكثر من 100 أغنیة غیر مغناة بقیت عند أخیه محمود عزیز.

وجدیر بالذكر كان الفنان محمّد علي شاكر أحد المؤسّسین الأوائل لفرق عید النوروز في مدینة سري كانیه في ثمانینات القرن الماضي. إضافة إلی مشاركته المستمرّة في النشاطات والمناسبات المتنوّعة التي كانت تقام في المنطقة وبقیة مدن كوردستان سوریا وحتّی في الداخل السوري. وقد منحته مؤسّسة آرتا للإعلام والتنمیة جائزة "العطاء والإبداع" عام 2019 تكریماً لإسهاماته الفنّیة والإبداعیة.


العوامل التي أثّرت في تكوین شخصیتة الفنّیّة

ساهمت جملة من العوامل والمؤثّرات في تكوین شخصیة محمد علي الفنیة وكان لها أكبر الأثر في إنتاجه الفنّي وٳغناء موهبته الإبداعیة، ومن أبرز هذه العوامل:

  • البیئة الدینیة التي ولد ونشأ فیها: فقد كان جدّه مؤذناً للجامع فتربّی محمّد علي في كنف عائلة تتقن تلاوة الآیات القرآنیة وتجویدها وما كان يرافقها من صوت عذب وموسيقا أخّاذة، وكذلك كان یحضر المناسبات الدینیة التي غالباً ماكانت تلقی فیها أناشید دینیة وكلمات وأشعار لكبار الشعراء الكرد الكلاسیكین أمثال ملاي جزیري وغیره.
  •  شغفه وحبّه للموسيقا منذ صغره: فنظراً لاهتمامه الكبير بها فقد كان يسمعها حسب قوله عبر الراديو وفي جلسات والدته مع النساء أو في العمل كعادة النساء الكرديات حيث يتزامن غنائهن مع كلّ عمل يقمن به سواء أكان داخل البيت أو في خارجه أثناء العمل في مواسم الحصاد وغيره.
  • جمال الطبيعة الخلّابة وسحرها الأخّاذ: تتميّز مدينته سري كانيه التي استقرّ فيها منذ بدايات شبابه مع عائلته بطبيعتها الجميلة وروعة مناظرها حيث كانت تكثر فيها ينابيع المياه وأمكنة سياحية للتنزّه، كلّ هذه المؤثّرات أصبحث مصدراً وحافزاً للإلهام والإبداع لديه.
  • الظروف الحياتية الصعبة والإحساس بالظلم والقهر: فقد كان يتابع كل ما يدور حوله وفي المنطقة من أحداث، وخاصّة واقع معاناة شعبه الكردي في بقية أجزاء كردستان ونضاله في وجه الأنظمة الجائرة، وحرمان شعبه من حقوقه القومية والإنسانية كلّ ذلك ولّد في داخله منذ أن تفتّحت عيناه على الحياة شعوراً بالغبن ممّا دفعه ذلك إلى الالتزام بقضية شعبه فكان يتميّز بإحساسه القومي والإنساني البارز فصاغ كلّ ذلك في قالب فني مبدع وقّدمه للأجيال.


رحیله

رحل الفنّان محمّد علي شاكر عن هذه الحیاة في صباح 24 کانون الأوّل عام 2020 عن عمر ناهز 74 عاما في مسیرة حافلة بالعطاء والإبداع وذلك في ٳحدی مستشفیات مدینة قامشلو متأثّراً بإصابته بفیروس كورونا. وفي رحیله قال اللّغوي الكبیر دحام عبد الفتاح: "سیُخلَّد ما قدّمه الفنّان محمّد علي شاكر للفنّ الكردي، فما قدّمه الراحل بمعیة أخیه محمود عزیز شاكر لا یمكن أن ننساه، فكما في لبنان الأخوان الرحبان فعندنا أيضاً الأخوان الشاكران أو العزیزان فلهما الفضل الكبیر في الإبداع الفنّي الكردي".

وكذلك قال الفنّان أومید سلیمان: "تعجز الكلمات عن وصف الفنان محمد علي شاكر فقد كان الراحل مدرسة فنیّة متكاملة كشاعر وملحن و ومغني وقبل كلّ ذلك كان إنساناً بكلّ ما للكلمة من ٳیحاء، كان الإحساس القومي والاجتماعي بارزاً لدیه فترك لنا جمیعاً إرثاً ثریّا ذي قیمة وهدف".

عانی قبل وفاته كثیراً وخاصّة بعد الاحتلال التركي لمدینته سري كانیه قبل أكثر عام، فأُجبِر علی مغادرة مدینته لیستقرّ مع عائلته في مدینة عامودا مكابداً الحزن والألم والأسی لِما حلَّ بمدینته من خراب ودمار بعد سیطرة المرتزقة السوریین علیها بدعم من تركیا، فتشتّت أهلها وغادروا مدیتنهم قسراً فمنهم من نزح إلی المناطق الأخری ومنهم من غادر الوطن إلی مستقبل مجهول.


روابط