العلاقة بين الفقر والجريمة

العلاقة بين الفقر والجريمة

يقول سقراط : إنّ الفقر هو أبو الثورة وأبو الجريمة.نتناولُ في بحثنا هذا طردية العلاقة بين ظاهرتي الفقر والجريمة ولابدّ لنا ونحن نبحث في هاتين الظاهرتين الخطيرتين ( الفقر والجريمة) والعلاقة بينهما أن نضع في أذهاننا عدّةَ أسئلة لنستطيع من خلال الإجابة عليها أن نصل بالنتيجة إلى طردية هذه العلاقة التي تعاني منها المجتمعات الفقيرة على وجه الخصوص.

  1. ما تعريف كلٍّ من الفقر والجريمة؟
  2. لماذا ترتفعُ معدّلات الجريمة في الأماكن الفقيرة؟
  3. ما هي أكثر الجرائم التي تقع بسبب الفقر؟
  4. هل للفساد الإداري وممارسات السلطات الحاكمة والتفاوت الطّبقي دور في ذلك؟


الفقر بالتعريف هو حالة لا يتمكّن فيها الفرد من تأمين قوت يومه واحتياجاته المعيشية الضرورية وتحقيق الحد الأدنى من مستوى الحياة .


والجريمة هي كل فعل يقوم به الفرد مخالفاً الشعور الجمعي أو القيم المجتمعية أو هي كل فعل يتعارض مع المبادىء والأفكار السّائدة في المجتمع.

وللجريمة تعاريف كثيرة تناولها علماء الاجتماع وعلماء القانون نورد بعضها لإغناء البحث موضوع الدراسة.


يعرّف العالم الألماني( أهرنج) الجريمة بأنّها فعل ينطوي على تعريض شروط حياة الجماعة للخطر ، ويعرّفها ساذرلاند بأنها سلوك تحرّمه الدّولة لضرره بها ويمكن أن تردّ عليه بعقوبة ، ويعرّفها الإيطالي غارا فالو بأنّها الفعل الّذي يتعارض مع المبادئ الأخلاقية في مخالفته لبعض القواعد الخلقية، كما يعرّفها العالم الشهير إميل دوركايم بأنّها كل فعل أو امتناع يتعارض مع القيم والأفكار الّتي استقرّت في وجدان الجماعة .

انغلاق الأفق أمام الشّباب في البيئة الفقيرة وحالة الإحباط من الوضع السائد لديهم والبطالة وغياب المساواة الاجتماعية والجهل تدفعهم دفعاً إلى السّقوط في القاع الإجراميّ

ومن الضروريّ أيضاً تناول الجريمة من منظور علماء النفس لأنها بالنهاية سلوك نفسي يدفع صاحبه إلى ارتكاب الفعل المحرّم اجتماعيّاً، والمجرم لا بدّ وأن تعترض شخصيّته مجموعة من العوامل أو الاضطرابات النفسيّة الكامنة فيه تدفعه دفعاً إلى الوقوع في مهاوي الجريمة.


يرى علماء النّفس أنّ الظاهرة الإجراميّة ليست ظاهرة اجتماعيّة خالصة أو ماديّة خالصة أو قانونيّة خالصة، بل هي فعل إنسانيّ سلوكيّ يقوم به الفرد ويتحمّل عواقبه إذا توافرت الإرادة والحرّيّة والاختيار، وقد نظر علماء النّفس إلى السّلوك الإجرامي من جانبين مختلفين ، فمن جانب يرون أنّ هذا السلوك المعادي هو غريزي يهدف إلى إشباع غريزة إنسانيّة مزوّد بنوازع وغرائز تشتدّ عند البعض وتقلّ عند الآخرين ويؤدي اشتدادها إلى الخروج على المجتمع ، ومن جانب آخر يرون أنّ السلوك المعادي هو فعل لا إرادي ناتج عن صراعات نفسيّة تحدثها مكبوتات اللاشعور وبالتّالي هي انعكاس لما تحتويه شخصيّة الفرد من مرض نفسيّ يعبّر عن صراعات انفعاليّة لا شعوريّة ، وعموماً يمكن تعريف الجريمة من الناحية النفسيّة على أنّها إشباع لغريزة إنسانيّة بطريقة شاذّة اعترت المجرم لحظة ارتكاب جريمته بالذّات .


ونفسيّاً يعتبر السّلوك الإجرامي من أخطر السّلوكيّات الّتي تهدّد المجتمعات في أمنها واستقرارها فهو يتضمّن التّهديدات للأخلاق والقيم والتّقاليد والأمان الاجتماعيّ .


ومن خلال ما تقدّم من حديث عن الجريمة ينبغي دراسة الظاهرة الإجراميّة بالأساليب العلميّة الموضوعيّة بغية تحديد عواملها وأبعادها الرئيسية.


ورغم أن الجريمة معضلة خطيرة تنتشر في المجتمعات الغنيّة والفقيرة على السّواء ، إلا أنّها تهاجم بشكلٍ أكثر شراسة البيئات والمجتمعات الفقيرة بل تكاد الجريمة تغزوها غزواً .


في هذه البيئة يرى المجرم نفسه، حيثُ انعدام أبسط مقوّمات الحياة ، فلا خدمات ولا نظام تعليمي ، ولا رعاية صحيّة ولا ضوابط اجتماعيّة ولا رقابة حتّى ، وقد تكون العشوائيّات في المدن الكبيرة خير دليلٍ يقدّم لمثل هذه الحالة الرديئة لأنّها تمتلىء بجميع ما ذُكِر وكلّ ما فيها تمهّد الطريق إلى الانحراف وتنامي السّلوك الإجرامي.


إنّ انغلاق الأفق أمام الشّباب في البيئة الفقيرة وحالة الإحباط من الوضع السائد لديهم والبطالة وغياب المساواة الاجتماعية والجهل تدفعهم دفعاً إلى السّقوط في القاع الإجراميّ فلا يعود من الأهميّة لديهم مراعاة القيم المجتمعيّة والضوابط الأخلاقيّة وأيضاً إعارة الاهتمام للعقوبات الجزائية التي قد تنالهم حال إقدامهم على ارتكاب جرائمهم ، بمعنى أنّهم يدخلون ساحة الجريمة من بابها الواسع وهم في وضعٍ نفسيٍّ يقبل الجريمة ويجد المتعة فيها.

فقد تقدم النساء مثلاً على بيع أجسادهن للحصول على القليل من المال لسد الحاجة والعوز

وأكثر الجرائم شيوعاً في المجتمعات الفقيرة هي جريمة السّرقة بشقيها الجنحيّ والجنائي والمجرم فيها يحاول دائماً كسب المال إما لإشباع حاجاته وغرائزه وإمّا للوصول إلى الغنى الّذي يجده لدى الطبقات الأعلى منه وهو ما نطلق عليه الثراء السّريع أضافةً إلى شيوع الجرائم المعتادة في هذه المجتمعات كتعاطي المسكرات والمخدّرات والحشيش والاتجار بها والمجرم فيها لا يجدُ حرجاً في التباهي بها وارتكابها أمام العلن وهو بذلك مستعدٌّ نفسيّاً لارتكاب أشدّ الجرائم خطورةً ألا وهي جريمة القتل إن تمّ حرمانه ممّا أدمن عليه.


الفقر هو العامل الرّئيسي للجريمة وإن لم يكن الوحيد ولا نبالغ إن قلنا إنّ أغلب الدّراسات أثبتت وما زالت العلاقة الوثيقة بينهما ويبدو أنّ الجرائم الأخلاقيّة أيضاً تدخل في هذا السياق كجريمة الاغتصاب مثلاً وجرائم الدّعارة فقد تقدم النساء مثلاً على بيع أجسادهن للحصول على القليل من المال لسد الحاجة والعوز وقد يقدم الرّجل المعيل الّذي لا يجدُ قوت يومه ولا يجد ما يسدُّ به جوع عياله على بيع جسد زوجته أو ابنته لمن يدفع له المال ولربما فعل ذلك مختاراً أيضاً ولكن في ظل الأزمات الحالية التي تعصف بالنّاس ازداد هذا الفعل شيوعاً والواقع معاش تماماً .


وكما أنّ هناك علاقةً طرديّةً بين الفقر والجريمة فهناك أيضاً ذات العلاقة بين الفقر والفساد الإداري وممارسات السلطات الحاكمة في تغييبها للعدالة الاجتماعيّة وسوء توزيع الموارد واحتكار المال والسيطرة عليه من قبل أصحاب النّفوذ وبالتّالي حرمان طبقات واسعة من المجتمع من العيش الكريم والحياة المقبولة.