للتاريخ أصابع مقطوعة (حلقة ٣)

للتاريخ أصابع مقطوعة (حلقة ٣)

الجهل وتزييف الحقائق وتغييبها موروث قديم لدى عموم المسلمين ، وباء التبعية العمياء وقالب الفكر المتجمّد الّذي يدفعُ صاحبه حتى لقتل ناقدٍ أو متحدّث عن الأولين من المسلمين وباءٌ عمره يزيد على ألف وأربعمئة عام ومازال ينخر حتّى يومنا هذا في أجساد الجهلة.


نعم إنّ الجهلَ أن تقرأَ التّاريخ وأنت تتحمّس وتنفعلُ للموبقات الّتي قام بارتكابها مَن تعتبره وليّاً صالحاً تقيّاً بل وتفاخرُ بها ، لأنّكَ حين تفعل ذلك ستقوم بتبرير جميع الأفعال والأهوال الّتي ارتكبها وليّك الصالح وستقتنع بجميع أقواله وأحاديثه وتسير في ظلامها وأنت تعلم في قرارة نفسك ربّما أنّ جميع الأقوال كاذبة، وجميع الأفعال تندرج في خانة الجريمة .


استغلال السّلطة، وإساءةُ استعمالها ، والتمسّك بالمنصب بالأيدي والأقدام والأظافر والأسنان عاداتٌ متوارثة لدى حكّام المسلمين منذ بداية الإسلام وحتى الآن ، ولا يخفى على المحتكم للعقل أنّ هؤلاء الحكّام كان ومازال لديهم هوسٌ وجنونٌ بثلاثيهم المقدّس ( السلطة _ المال _ الجنس ) 


لم يمرَّ حاكمٌ واحدٌ مهما علا شأنه أو دنا كما لم يمرَّ خليفةٌ واحدٌ على الشّعوب المسلمة إلا واستعبدها وسرق أموالها وهتك أعراضها واشترى وباع في كرامتها ونسائها وأحالَ الحقّ باطلاً والباطلَ حقّاً ونتيجةً لهذا الهوس وللصراع على السّلطة والنّفوذ أُزهقت الآلاف والآلاف من الأرواح منذ بداية الإسلام وحتى الآن.

ونحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلّا فبوؤا بالظّلم وأنتم تعلمون

بعد وفاة نبيّ الإسلام محمّد بدأ هذا الصّراع على السّلطة وتجلّى في اجتماع سقيفة بني ساعدة الّذي ذُكر على أنّه تمّ فيه إجماعٌ على ولاية أبي بكر للمسلمين بعد الرّسول، إلا أنّ الحقيقة ليست كذلك ، فلم يكن هناك إجماعٌ على هذه الولاية ، وأوّلُ من خرج عنه وخرقه هو سعد بن عبادة من الأنصار الّذين تدرّج موقفهم من الهدوء إلى العنف ومن الرّغبة في الاستيلاء على الحكم إلى المطالبة باقتسامه ومن ذلك أنّ سعداً نادى في الأنصارِ قائلاً : يا معشر الأنصار إنّ لكم سابقةً في الدّين وفضيلةً في الإسلام ليست لقبيلةٍ من العرب فشدّوا أيديكم بهذا الأمر فإنّكم أحقّ النّاس وأولاهم به .


والطّرف الثّاني الّذي خرقَ إجماع السّقيفة ( بنو هاشم ) وهم عليّ بن أبي طالب والعبّاس والزّبير بن العوّام وفاطمة .


لقد أُتيَ بعليٍّ إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ، فقيل له : بايع أبا بكر 


فقال : أنا أحقُّ بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليه بالقرابة من النبي وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً ، ألستُم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمّا كان محمّدٌ منكم فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة وأنا أحتجُّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، ونحن أولى برسول الله حيّاً وميّتاً فأنصفونا إن كنتم تؤمنون وإلّا فبوؤا بالظّلم وأنتم تعلمون.

العنف والتّرهيب الّذي مارسه عمر كي يرغمَ أهل بيت الرّسول على مبايعة أبي بكر فقد وصل تهديده حدّ إحراق بيت عليّ على مَن فيه

الكلام الّذي وجّهه علي لأبي بكر فيه من الحجّة والمنطق ما يلزم أبا بكر بالاقتناع به وحمله على القبول فهو ومعه عمر بن الخطّاب قد احتجّا على الأنصار بالقرابة من الرّسول وقرابته أحقّ بالحكم وهما مَن منعا على عليٍّ الحكم وهو أقرب منهما إلى الرّسول كونه ابن عمّه ، وحين تكون الحجّة قويّةً ولا يستطيع سامعها ردَّها سيكونُ ملزماً باللجوء إلى العنف لوأدِها ومن ثم إجبار صاحبها على الإذعان والتراجع ، وهذا ما فعله عمر بالضّبط ، إذ ذهب بأمر أبي بكر إلى مَن امتنع عن البيعة وناداهم وهم في دار عليّ فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والّذي نفس عمر بيده لتخرجُنَّ أو لأحرقها على من فيها .


فقيل له يا عمر إنّ فيها فاطمة، فقال : وإنْ


فخرجوا فبايعوا إلا عليّ . 


يتبيّن هنا بشكلٍ واضحٍ وجليّ مستوى العنف والتّرهيب الّذي مارسه عمر كي يرغمَ أهل بيت الرّسول على مبايعة أبي بكر فقد وصل تهديده حدّ إحراق بيت عليّ على مَن فيه.


وصفوة القول إنّ الصّراع على السّلطة بين الأنصار والمهاجرين وآل البيت الهاشميين لم يقتصر أبداً على التّشاور والحوار والتّحاجج بل تجاوز كلّ ذلك إلى مظاهر العنف وإن كان محدوداً .

ومن الواجب الإشارة إلى أن جثمان النبيّ تُرِكَ لأيّام دون دفن في ظلّ النّقاشات والتّناحرات السّابقة الذّكر .


مرحلة الخلفاء الأربع الّذين خلّفوا الرّسول كانت بمجملها مرحلة صراعات سياسيّة وخلافات وحروب واغتيالات وكلّها من أجل السّيطرة والسّلطة والحكم .

حيثُ تكون سياسة السّلطة والحكم هما الغاية فإنّ الدّين يغدو وسيلةً لتحقيقها وشيئاً ثانويّاً

الخلفاء الأربع انتهت حياتهم قتلاً فأبو بكر مات مسموماً حسب العديد من كتب التّراث الإسلاميّ بعد أن بقي في الخلافة عامين وثلاث أشهر قضاها في حروب الردّة ، وعمر بن الخطّاب قتله أبو لؤلؤة الفارسي النّاقم عليه لشكوى رفضها له عمر وزجره ونَهَرَهُ عليها وعثمان بن عفّان قتله المسلمون في بيته واشترك في قتله محمّد بن أبي بكر وكذلك قُتِل عليّ رابع الخلفاء على يد عبد الرّحمن بن ملجم، وجميع الأحداث التي جرت آنذاك تثبتُ وتؤكّدُ أنّه حيثُ تكون سياسة السّلطة والحكم هما الغاية فإنّ الدّين يغدو وسيلةً لتحقيقها وشيئاً ثانويّاً .


نعم إنّ للتّاريخ أصابعَ مقطوعةً ممنوعةً من كتابة الحقائق ومن الإشارة إلى الجرائم والمجرمين وفي التاريخ رواياتٌ تافهة وقصصٌ كاذبة يجب كشفها وتوضيحها لمَن لا يودّ الوقوف على تبعاتها.