كُـرد سوريا بين الإسلام الاجتماعي والإسلام السياسي ( الحلقة الأولی)

كُـرد سوريا بين الإسلام الاجتماعي والإسلام السياسي ( الحلقة الأولی)

 يمكنُ القول, من وجهة نظرٍ تاريخيَّة, ومنذُ تشكيل الدولة السوريَّة المعاصرة التي أُلحقتْ بها أراضٍ كرديّة والتي يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة, بإنّ النسيج الاحتماعيّ الديني بين كرد سورية متنوّع سواء أكان بين الذين يقطنون في المنطقة الكرديَّة أو الذين اختلطوا مع المجتمع السوري العام في الداخل, حيثُ يغلب على هذا النسيج المذهبُ السنّي بشكلٍ عام مع وجود بعض القرى الشيعيّة في منطقة عفرين الكرديّة إلى جانب أقليّة يزيديَّة في منطقتي عفرين والجزيرة, ويتّسم تديِّنهم على اختلاف دياناتهم بالاعتدال والوسطيّة من دون مغالاةٍ أو تطرُّف, وهذا ما يمكن أن نسميه بالتديّن الاجتماعي, حيث يقوم المؤمن بممارسة شعائره وطقوساته بشكلٍ فطريٍّ وعفويٍّ, ويجد كلٌّ في عباداته الرحمة والعدل والتسامُح والمحبّة والطهارة والنظافة. أمّا بالنسبة للتيار الاسلامي في كردستان سوريّة فمثلها مثل أيّ بلد إسلامي آخر يضمّ تاريخيّاً تياراً محافظاً وتياراً إصلاحيّاً على اختلاف شكل التطبيق, فهناك محافظون يتحلّقون حول رجال الدين ويدورون في فلكهم ويرونهم الناطقين الرسميين باسم الله والنبيّ والدين وهذا التيار ضعيف نسبيّاً بين الكرد قياساً مع الداخل السوري, فقد كان نشطاً بعض الشيء حتّى منتصف القرن الماضي, إلّا أنّه تقلّص تدريجيّاً لأسباب عدّة, كما أنّ هنال إصلاحيين يرون الإنسان قادراً على عبادة الله وإدراك شريعته والمساهمة في بناء الوطن من دون أن ينتظم تقليديّاً في حلقة من حلقات المشايخ أو ينضمّ إلى تنظيم من التنظيمات الدينيّة التي هي في الغالب تخدم المصالح الضيّقة للنخبة من رجال الدين, وقد نشط هذا التيار بين كرد سورية على حساب التيار المحافظ ابتداءً من منتصف القرن المنصرم متأثراً بالفكر الاشتراكي والنزعة التحرّريّة عموماً, علاوة على الموقف من التفسيرات الانتقائيّة المزاجيّة المشوّهة لأصول الدين التي كان يردّدها دعاة التحفّظ الذين كانوا يرون كلّ شيء متطوّر هو من أعمال الكفر ويجب محاربته, فحاولوا بشتّى الوسائل تركيع البسطاء من أبناء الشعب نحو سياسة الطاعة العمياء, وإبعادهم عن مناهل العلم والحضارة ومظاهر الحياة المتطوّرة والحديثة, وخير من ندّد بممارساتهم وفضحها الأديب الإصلاحي جكرخوين(1903-1984) الذي دعا الشعب إلى محاربة مرتدي عباءة الدين من غير الآهلين لقيادته, فلعب بذلك دوراً في توعية المجتمع الكردي وتخليصه من الأفكار المبتدعة التي كان تروّجها طبقة دينيّة سلطت سيف العبوديّة على رقاب الجماهير التي لا حول لها ولا قوّة.


 يعتبر الشعب الكردي في كردستان سوريّة مسلماً في غالبيته العظمى, مع وجود أقليات دينيّة كالمسيحيين, والإيزيديين, وقد برز من الكرد السوريين رجال دين مسلمين معروفين على المستوى المحلّي والإسلامي, كانت لهم آراء ومواقف دينيّة واضحة في معالجة الكثير من القضايا, وكانوا مرجعيات دينية في الفقه والدين الإسلامي, ولعبوا أدواراً بارزة في التاريخ الحديث, واتّخذوا مواقف متباينة في مسيرة حياتهم, فكان منهم العلّامة, والداعية, والسياسي, وأصحاب مرجعيات دينيّة, وهم:


  • الموالون للنظام السوري: فقد والى هؤلاء النظام السوري في عهد الأسد الأب والابن معاً, وكانوا بمثابة السلطة الثقافيّة له إلى جانب سلطته السياسية, وذلك لتحقيق مكاسب في التحوّل إلى جزء عضوي من مؤسّساته أو صنع القرار كمفتي الجمهورية السابق أحمد كفتارو(1915-2013), والداعية محمّد سعيد رمضان البوطي(1929-2004).
  • أصحاب المرجعيّات الدينيّة: اكتفى هؤلاء بالدعوة إلى العلم والابتعاد عن السياسة كشيوخ آل الخزنوي أو ما تُعرف بـ(الخزنويّة) نسبة إلى الجدّ الشيخ أحمد خزنوي المتوفى(1950م) الذي كان يمارس دعوته انطلاقاً من قريته "خزنة" التي نُسب إليها فيما بعد, وهذه العائلة تعتبر من أهمّ المرجعيات الدينيّة إنْ لم تكن أهمّها في المنطقة قاطبةً قفد امتدّ نفوذها إلى مناطق شاسعة, وخاصّة تلك التي هاجر إليها الكرد.
  • المنخرطون في العمل السياسي: كالشيخ محمّد عيسى سيدا(1924-2001)الذي كان من مؤسّسي الحزب الديمقراطي الكردستاني- سورية الذي رأى النور في 14/6/1957, والشيخ محمّد باقي ملّا محمود(1936-2008) السكرتير السابق للحزب الديمقراطي الكردي السوري, ومنهم من انخرط في العمل السياسي, كمستقل, من دون اي ّ انتماء حزبي, كالشيخ محمد معشوق الخزنوي الذي اخنطفته أجهزة المخابرات السوريّة يوم 10/5/2005وقتلته تحت التعذيب, وتمّ العثور على جثمانه في 1/6/2005م, كان الشيخ صاحب كاريزما وحضور لافت ومؤثّر في المجتمع, وذا نزعة إصلاحيّة تنويريّة في الخطاب الديني, بالتوازي مع اهتماماته السياسية ومناصرته حقوق شعبه الكردي, ما جعله مستهدفاً من قبل النظام السوري لأنه رأت فيه مشروع زعيم ديني- سياسي وقومي, ربّما يؤسّس لحزب كردي إسلامي يملأ الفراغ الذي خلّفته أحزاب الحركة الكرديّة في سوريّة بتشرذمها وانشقاقاتها وهو القائل في عيد النيروز وعلى منصّة الاحتفال: (إذا أحسستُم في يوم من الأيام أنّ الإسلام يهضم حقوقكم ولا يعطيكم إيّاها فاعلموا أنّني معكم ولا أقبل بهذا الإسلام).


undefined


كُـرد سـورية والإسـلام السـياسي

من الملفت للانتباه - وخاصّة بعدَ قيام الثورة السوريّة- إنَّ الساحة الكردية السورية تفتقر إلى جماعات الإسلام السياسي, لا بل تكاد تكون معدومة مقارنة مع المجتمع العربي في الداخل السوري الذي شهد ما يشبه الهجرة الجماعيَّة للجماعات الإسلاميَّة نحو السياسة تحت مسمّيات متعدِّدة معتمدة في إيديولوجياتها على التراث السلفي الإسلامي كـ(داعش –جبهة النصرة – حركة أحرار الشام الإسلامية – فتح الشام.....الخ), لكن هذا لا ينفي انضمام بعض الأشخاص من الكرد بشكلٍ فرديٍّ إلى تلك التنظيمات الإسلاميَّة التي تتبنّى إيديولوجيات متطرِّفة, وخاصّة في المناطق المتداخلة مع الوسط العربي أو من بعض الكرد المستعربين في الداخل السوري كما في:(جبل الأكراد في اللاذقية – ومدينة حماه و حلب وغيرها), ولكن النسبة تكاد تكون معدومة في المناطق التي تقطنها أغلبية كردية, وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على الدور الأساسي للحركة السياسيّة الكرديّة في سورية منذ عام1957م في تنظيم حركة المجتمع وتوعيته بمفاهيم العلمانية والحقوق السياسية, مطالبة النظام بحقِّ الشعب الكردي فقط ولم تكن لها أية أطماع سلطويّة مكتفيّة باتّباع سياسة دفاعيّة طوال تاريخها, ورغم ذلك تعرّضت لشتّى أنواع القمع والملاحقات, أمّا بالنسبة للداخل السوري فتمّ قمع كلّ التوجّهات السياسيّة في الوسط العربي التي لا تتوافق مع توجّهات النظام السوري وأهوائه خلال الربع الأخير من القرن المنصرم لما لها من أطماع سطويّة, لذا فقد توقّفت حركة المجتمع سياسياً في الداخل السوري, وتمّ تنظيمه في الكثير من المناطق في حلقات تتبع لبعض المشايخ ودُعاة الطرق الدينيّة, وهذا ما شكّل بدوره قنبلة موقوتة بدّت آثارها الكارثيّة خلال الثورة السوريّة من خلال تدمير المدن والقرى, ولا زالت تداعياتها مستمرّة حتّى اليوم ولا ندري ما الذي يخبّئه لنا المستقبل؟

الوسيلة الوحيدة لنيل حقوقهم تكمن في مواكبة االفكر الإنساني التحرّري

إذاً, فالإسلام الكردي في سوريّة هو إسلام اجتماعي بالدرحة الأولى- سواء أكان محافظاً أم إصلاحيّاً- يتّسم بالاعتدال في تعاليمه وطقوساته من صلاة وصيام وزكاة...الخ, وذلك تقرّباً إلى الله للفوز بعد الموت بالجنّة والنجاة من الجحيم, لذا بقي محصوراُ في هذا الجانب ولم ينحو نحو الإسلام السياسي الذي ينتهج طريق الحكم والسلطة, علماً أنّ العلماء والمشايخ الكرد المسلمين في الأجزاء الكردستانيّة الأخرى لعبوا تاريخياً دوراً مهماً في صناعة الثورات الكردية, مستفيدين من التفاف الشعب حولهم ودعمه لهم كثورة الشيخ عبيد الله النهري ضدّ الفرس عام1880م, وثورة الشيخ سعيد بيران ضدّ مصطفى كمال أتاتورك عام 1925, كما أسّس القاضي محمّد 1946م جمهوريّة مهاباد الكرديّة في إيران, وكذلك ثورة الشيخ محمود حفيد عام 1920, ضدّ الانكليز...الخ.


استفاد كرد سوريّة من دروس التاريخ, آخذين بعين الاعتبار الظروف المحليّة والمتغيّرات العالميّة وكيفية مواكبة المعطيات الجديدة للحفاظ على هويتهم ووجودهم, فأدركوا بأنّ الوسيلة الوحيدة لنيل حقوقهم تكمن في مواكبة االفكر الإنساني التحرّري والاستفادة منه لمواجهة ما يخطّطه لهم أعداؤهم في الخفاء, وإنّ التيار الديني ليس مجدياً لحلّ قضايا الشعوب, ولا سيما بعد استغلال العرب, والترك, والفرس الدين لتحقيق طموحاتهم القومية وتأسيس دولهم, فلاقى الكرد جرّاء ذلك المآسي والويلات, وظلّوا محرومين من كيان يجمعهم, متشتّتين بين دول عدّة, ورأوا في قيم الحداثة والديمقراطية سبيلاً لحلّ قضاياهم, مؤمنين بالمبدأ العلماني "الدين لله والوطن للجميع", لهذه الأسباب وغيرها, ومنذ العام (1957م) تاريخ تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا ولغاية قيام الثورة السورية لا يوجد أيّ حزب أو جمعية ثقافيّة أو اجتماعيّة ذات هويّة دينيّة اسلاميّة تنشط بين الكرد السوريين, لذا بقيت الساحة الكردية السورية فقيرة بالحركات الإسلامية قياساً بالأحزاب القوميّة والعلمانيّة والشيوعية وغيرها والتي يزيد عددها اليوم عن "35"حزباً وتكتُّلاً, ولهذه الظاهرة اسباب كثيرة منها :


  1. استغلال الكرد تاريخياً من قبل القوميات الأخرى باسم الدين الاسلامي ,فبنوا لهم دولاً وكيانات في حين حُرِّم الشعب الكردي من وطنه, وبذلك حرّم من المشروعيّة القانونيّة وخضع لمشروعيّة القوّة, وظلّ عَبر التاريخ أسير المعاناة والظلم والمآسي على يد أخوته في الدّين.
  2. الدور التعريبي للدين الإسلامي في محو تاريخ وتراث الشعب الكردي, وطمس معالمه ولغته, فأصبح التخلُّف الفقهي والتقليد الديني يجعل الكردي يتخلّى عن قومه, ويتكلّم العربيّة وينسى لغته الأمّ, لا... بل وصل الأمر ببعض من هؤلاء إلى نعتها بالدونيّة, مستشهداً ببعض الأقوال المشوّهة لأصول الدين" بأنّ لغة أهل الجنّة هي العربيّة" مخالفاً النص القرآني, وكذلك موقف الداعية محمّد سعيد رمضان البوطي عام (2003) عندما احتلّت أمريكا العراق"أضع نسبي تحت قدمي"قد جاء متناغماً مع الموقف السوري وقتذاك, وقصد بالنسب الانتماء القومي الكردي , بحجة أنّ الكرد طلبوا من الإدارة الأمريكيّة احتلال العراق, ومن المعروف أنّ احتلال العراق لم يكن بناءً على طلب من أحد من الكرد أو من العرب, ولاقى حديثه تنديداً واستنكاراً من الكرد.
  3. عدم وجود إيديولوجيّة فكريّة إسلاميّة واضحة وتعدُّد مشاربها ومصادرها, فكلّ فرقة ومذهب وطريقة تفسّر الإسلام تفسيراً مزاجيّاً انتقائيّاً مختلفاً, وبالتالي عدم وجود مرجعيّة محدّدة يمكن الاستناد إليها لحلّ القضايا القومية.
  4. الدور السلبي للمؤتمرات والمحافل الإسلاميّة تجاه القضية الكردية, لا... بل كانت تؤيّد الأنظمة الغاصبة في كثير من الأحايين في قمعها للشعب الكردي ومحاربته باسم الدين, فترتكب تلك الأنظمة أبشع المجازر والجرائم بحقّ الشعب الكردي, كما حصل في كردستان العرراق أثناء حكم صدام حسين, فتمّ شن حملة عسكرية لإبادة الشعب الكردي باسم حملة" الأنفال" وهي سورة مأخوذة من القرآن الكريم.

الطبيعة النفسيّة والفكريّة والأخلاقيّة والدينيّة العامة لدى الكرد تختلف عن التركيبة الدينيّة للإسلاميين العرب

لكن ما يثير الانتباه في المجتمع السوري عموماً من خلال الدراسة والتحليل والتمحيص أنَّ الطبيعة النفسيّة والفكريّة والأخلاقيّة والدينيّة العامة لدى الكرد تختلف عن التركيبة الدينيّة للإسلاميين العرب, وهذا جليٌّ وواضح في طريقة التعامل والممارسة لكلا الطرفين, وهذا ليس معاداة للإسلاميين العرب أو التقليل من شأنهم بشكل مقصود, بل الواقع يقول ذلك, فالتفكير الاسلامي العربي هو تفكير أحادي الجانب لا يقبل الآخر المختلف بل يحاول بشتّى الوسائل إلغاءه وقتله, فكلّ من لا يتّفق مع مذهبه أو طائفته يصنّف في خانة الكفر, بخلاف الإسلام الكردي الذي يحترم الإنسان بغضِّ النظر عن آرائه ومعتقداته, وإنّ الله هو الذي سيحاسب الإنسان في النهاية, وهذا كان بيّناً خلال الثورة السوريّة, حيث اتّهمت التنظيمات الإسلاميّة العروبيّة الكرد بـ(الكفر والزندقة) وهذا ليس بالنسبة للكرد فقط, بل بالنسبة لكلّ المكوّنات المجتمعيّة الأخرى من الأرمن والآشوريين والمسيحيين, وكلّ من يختلفً معهم فكريّاً والتجارب التاريخيّة والمعاصرة كثيرة في هذا الشأن.


وتتعدّد الطرق الصوفيّة والمرجعيّات الدينيّة الإسلاميّة بين الكرد في سوريّة, كـ(الخزنويّة النقشبندية) التي تُنسب إلى الشيخ أحمد خزنوي في قرية "تل معروف", والطريقة (القادريّة) وهي من الطرق الصوفيّة وتُنسب إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني في مدينة عامودا, والطريقة (النقشبندية) في منطقة عفرين والجزيرة وغيرها, وهنالك (الأحمديون) وقد برز ظهورهم في الفترة الأخيرة في الدرباسيّة. إضافة إلى عشرات الأضرحة والمزارات الدينيّة التي يؤمّها الناس من كلّ حدب وصوب إمّا تبرّكاً, وطلباً للشفاء من المرض, أو لتحقيق أمنيّة..الخ, ومن أهمّها هذه المزارات: مزار الشيخ عبد العزيز في الحسكة في الجانب الشمالي من جبل عبد العزيز والذي يعود بالنسب إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني.والهدف من هذه المرجعيّات والطقوسات والمزارات هو تنظيم الحياة الاجتماعية وتغذية الجانب الروحي والقيمي لأبناء المنطقة, وعلى الرّغم من تعدُّدها وتنوّعها إلّا أنّها تساهم معاً في إيجاد مناخ مجتمعي يتقبّل الآخر المختلف فكريّاً وعقائديّاً وينطلق من فكرة الحفاظ على القيم الاسلامية والقومية والوطنية في المجتمع الكردي, وبناء علاقات متينة على قاعدة احترام الخصوصيات مع كلّ الديانات والعقائد التي تتعايش معاً في المنطقة كالمسيحيّة والأرمنيّة والايزيديّة .....الخ.


فالإسلام الكردي في سوريا– بخلاف الإسلام العربي – لا يرى البتة أن الإسلام ضدَّ القوميَّة, فعلى العكس تماماً يرى بأنَّ الإسلام دين لا يعادي القوميات أبداً بل يحفظ لكلّ قومية خصوصيتها معتمداً على النصوص القرآنية, قال تعالى:" إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أنَّ أكرمكم عند الله اتقاكم..." وقوله :" ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم....".


undefined
فالإسلام السياسي العروبي بهذا المعنى لم يجد لنفسه موطىء قدم بين الكرد السوريين

تاريخياً, ناضل الإنسان الكردي من أجل انتزاع حقوقه المشروعة من الأنظمة الحاكمة, ولم تكن السلطة في يوم ما هدفاً له, على الرّغم من المظالم التي تعرّض لها طيلة القرن الماضي, لم يلجأ إلى استغلال الدين للحصول على حقوقه أو الوصول إلى السلطة, ولم يخلط قطُّ بين الدّين والسياسة, لذا حين أعلنت جماعة الإخوان المسلمين السورية العصيان على النظام السوري بهدف إسقاطه والوصول للسلطة في نهاية السبعينات من القرن المنصرم, لم يشارك الكرد في العصيان, بالرغم من حالة القمع والتهميش والظلم التي كانوا يعانونها من نظام الأسد الأبّ, كما بقيت المناطق الكرديّة مغلقة على الإخوان, وكان عددُ الكرد المنتسبين للجماعة وقتئذٍ, يكاد يُعدُّ على أصابع اليد, باستثناء عائلة البرازي ذات الأصول الكردية المتواجدة في حماة, وليست في المناطق الكرديّة. وجدير بالذكر, إنّه وبعد اندلاع الثورة السورية في آذار 2011م, برزت بعض التسميات لأحزاب وتكتّلات إسلاميّة كرديّة في سوريّة كـ(جبهة العمل الوطني لكرد سوريّة- وجمعيّة علماء الكرد في سوريّة- وحركة الحقّ والعدالة الإسلاميّة الكرديّة في سورية...الخ)والتي تدور حولها علامات استفهام كثيرة, وخاصّة من جهة التوقيت, وهي في مجملها أحزاب ضعيفة لا وجود لها, وما يمكن نعتها بالأحزاب الفيسبوكيّة حديثة التأسيس, بدأت تظهر بمسمّياتها مع بدء الثورة السوريّة, ولا يعتقد بأنّها ستجد لنفسها موطئ قدم على الساحة الكرديّة السوريّة بحكم المزاج العام للكرد السوريين وتدينهم المعتدل, علاوة على أنّ المجتمع الكردي السوري يؤمن في غالبيته بالعلمانيّة والديمقراطيّة والتقدّم الاجتماعي, وهذا ما لا تستسيغه ذائقة الكثير من الإسلاميين ولا تتواءم مع توجُّهانهم الفكريّة والإيديولوجيّة.


 لقد شارك الكرد السوريون في الثورة السوريّة في بادئ الأمر, ولكن بعد أن تحوّلت إلى العنف والاقتتال الطائفي واستهداف كلّ من (جبهة النصرة- وداعش..)للمناطق الكرديّة في سورية, لم تجد الطائفية لها مكانا في المجتمع الكردي, ولم يجد هذين التنظيميين التكفيريين تلك الحاضنة الشعبية بين الكرد, بل وجداها بين العرب الذين استقدمهم النظام السوري من محافظات الرقة و ديرالزور إلى المناطق الكردية في سياق الحزام العربي الذي اطلقه النظام عام (1974م) بهدف إجراء تغيير ديمغرافي في المناطق الكردية وتعريبها, كما انتسب إلى ( داعش – والنصرة )بعض العناصر العربية من سكان تلك المناطق الأصلاء أيضاً وخاصّة البعثيين .


فالإسلام السياسي العروبي بهذا المعنى لم يجد لنفسه موطىء قدم بين الكرد السوريين, على الرغم من بعض التقارير التي أكّدتْ انتماء بعض الشباب الكردي "العراقي والتركي" إلى تلك التنظيمات التكفيريّة للقتال في سوريا والعراق, وذلك يعود إلى أنّ هذه التنظيمات بدت لكرد سوريا من خلال أعمالها وممارساتها الارهابية وكأنّها الوجه الأعنف للأنظمة الغاصبة لكردستان, ذات صبغة عروبية تحارب الشعب الكردي وبعيدة كل البعد ن الإسلام الحنيف وتعاليمه بممارساتها الإجرامية التي لا يقبلها أيّ دين أوعقيدة, لذلك فقد تصدى لها الشعب الكردي وخاض مع هذه التنظيمات التكفيرية أشرس المعارك كما جرى في مدينة (كوباني) ومناطق أخرى في كردستان سورية, وتمّ دحرها وهزيمتها جميعاً .