بلـديَّة الغنـّاميّة في مدینة الدرباسية نموذج للبلدیات المُحدثة في الجزیرة السّورية

بلـديَّة الغنـّاميّة في مدینة الدرباسية نموذج للبلدیات المُحدثة في الجزیرة السّورية

تقعُ قريةُ الغنّاميّةِ مركز البلديّة جنوب مدينةِ الدّرباسيَّة على بُعْد 4 كم, باتّجاهِ مركز محافظة الحسكةِ على مقربة من الطّريق الواصل بينهما على الطّرف الغربي, وتعتبرُ من القرى القديمةِ في المنطقةِ الّتي سكنَها الإنسانُ, شيّدت بيوتها من الطّين واللّبن منذ بداياتها, وهي من التّجمُّعات السّكنيّة الكبيرة في المنطقة, فيها مطار زراعيٌّ باسم مطار غنّاميّة الزّراعيّ كانت تنطلق منه الطّائرات لرش المبيداتِ على الأراضي الزّراعيّة, تتربّع على أرضٍ زراعيّة خصبة, فقد كانت قرية ريفيّة بسيطة يحدّها من جهة الشرق وادٍ أصابهُ الجفافُ كان يسمّى في الماضي نهر شكالۆ(şekalo)* حسب أقوالِ المعمّرينَ, إلّا أنَّ القريةَ بدأت تزدهرُ مؤخّراً, وخاصّة بعدَ أن رشّح عبد الرّزاق فرحان العيسى"أبو نواف" نفسه وأصبحَ عضواً في مجلس الشّعب السّوري, فازداد الاهتمام بالقرية وانتقلت بين ليلةٍ وضحاها إلى قريةٍ مزدهرة قلَّ نظيرها في الجوار, وخاصّة مدخلها الّذي زيّن بالأضواءِ اعتباراً من طريق الحسكةِ وحتّى وسط القرية.

undefined


التّسمـية

يرجعُ سببُ تسميّة القريةِ بالغنّاميّةِ لوجودِ أعدادٍ من من مربِّي الأغنام فيها, وخاصّة الّذين كانُوا يملكون قطيعَ الأغنام, حيثُ كانوا يلتجؤون إليها للاحتماء خوفاً من اللّصوصِ وقطّاع الطّرق, وربّما التسمية مأخوذة من العرب البدواة الذين كانوا ینزلون المنطقة في مواسم الحصاد من بادية الرقة والدیر فأصبحت مركزاً لتجمُّع الغنّامين من المنطقة وخارجها لذلك سمّيت بالغنّاميّة. وهي من القری القديمة في المنطقة.


undefined


السّـكان

تقطنُ الغنّاميةُ اليومَ عدداً من العشائر الكُـرديّة, والغالبيّة من عشيرة الآزيزان المعروفة, وتُعرف القرية بها, وتُعتبر اليومَ من القرى النموذجيّةِ من حيث التنظيم والخدمات المتوفرة, يبلغ عددُ سكّانها حسب إحصائيات 2011 بـ(3500) نسمة, أمّا المجموعُ العام لملاك البلديّة أي بما فيها القرى التّابعة لها, فيبلغ (11311) نسمة, موزّعينَ بين القرى التّابعة للبلديّة بما فيها مركزها, وهذه القرى, هي: تل كديش، كربطلي، يارمجة فوقاني وتحتاني، قنطر، سورسورك فوقاني وتحتاني، هرم رش, ومـن أبـرز شخصياتها الوطنيّـة والاجتماعيّة فـرحـان العيسـى.


undefined


الخـدمات، والتّعليـم، والنّـشاط الاقتصـادي

كما أشرتُ, فهي اليومَ من القرى النّموذجيّةِ من حيث الخدماتِ والتّنظيم, حيثُ تتميّزُ بنظافتها العّامّة بعدَ أن كانت تفتقرُ قبلَ سنواتٍ لأبسط الخدماتِ الضروريّة للحياة, حيثُ كانت بيوتها الطّينيّة القديمة متداخلة, وأزقّتها ضيقة, وعدم وجود شبكات نظاميّة للصرف الصّحي, فقد كانت أقنيةُ الصّرفِ تصبُّ بجانب كلِّ بيتٍ مشكلة بحيرات من المياه الرّاكدة, لكنْ بعد أن أحدثت فيها البلديّة عام 1997, تغيّرت جغرافيّة القرية تماماً, وذلك بإعادةِ تنظيمها من قبل البلدية. حيث قدمت البلدية خدمات جمة للقرية من خلالِ تمديد شبكةِ مياه الشّربِ لكاملِ القريةِ من البئر الارتوازي المحفور فيها, وإنارة الشوارع وخاصَّة في مدخلها الرئيسيِّ بالكامل, أمَّا شبكةُ الصَّرفِ الصَّحي داخلَ القريةِ فهي بطولِ(5070)م, وتصبُّ في جنوبِ القرية بعيداً عن الدُّور السَّكنية, بالإضافةِ إلى وجودِ الفرن الآلي الذي يُغطي نسبةً كبيرة من القُرى المجاورة في توفير مادّة الخبز لهم, ولكن تفتقرُ القريةُ إلى مركزٍ صحيٍّ وطبابةٍ وخدمات أخرى كثيرة.

 

وأمّا بالنسبةِ لقطاع التربيةِ والتعليم فيُعاني من الإهمالِ بشكلٍ عامٍ خاصَّة بعد توجُّه الأهالي إلى الاهتمام بالزراعة, فأصبحتِ الدراسة بالنسبة لهم شيئاً ثانوياً, إضافة لعدم توفُّر الكوادر المتخصّصة في معظم الأحيان, كلّ ذلك أصابَ هذا القطاع بالشلل لسنوات عديدة, فقد كان الكادر غالباً من خارج المحافظة ولا يعير اهتماماً بالطّلاب, طبعا البعض منهم كانوا يؤدون واجبهم على أكمل وجه, لذلك نجد أنَّ مستوى التعليم في الثمانينات والتسعينات القرن الماضي ضعيف جداً, لكن الأمر مختلف تماماً منذ بداية الألفيَّة الثانية, فأخذ الأهالي يولون عنايةً خاصّة بالتعليم, حيث توجد في قرية الغنّاميَّة مدرسة ابتدائيَّة وأخرى إعدادية في نفس المبنى باسم:( مدرسة الغنّامية للتعليم الأساسي), إلّا أنَّ أبناء القرية يعانون من عدم وجود ثانوية فيها, فيضطرون كلّ صباح للذهاب إلى ثانوياتِ مدينةِ الدّرباسيَّة, فتكلفهم مبالغ مالية, والأمر هذا يطبق على كل القرى التابعة للبلدية, إلا أن الحركة العلمية في البلدية والقرى التابعة لها في نمو مستمرّ فالتحقَ الكثيرون من أبنائها بالمعاهد والجامعات السّوريَّة, إضافةً إلى ذلك هناك شخصيات ثقافيَّةٍ مبدعةٍ من أبناء هذه القرية, أمثال الكاتب والفنَّان التشكيليّ بشّار عيسى, والفنّان عدنان عبد الرحمن الذي تخرّج من كليَّة الفنونِ الجميلةِ في دمشقَ عام 1998.


undefined


أمّا بالنسبةِ للنّشاطِ الاقتصاديِّ فقد كانت تربيةُ الأغنامِ من المِهن القديمةِ في القريةِ, ولعبت دوراً إيجابياً في التجارة خلال سنواتٍ عديدة, ولكنْ سرعان ما قل الاهتمام بها عندما وجّه الأهل جلّ اهتمامهم نحو العمل الزراعي, وخاصّة بعدَ التحوّل الّذي طرأ على الزراعة, إذ تحوّلت من البعليَّة إلى المرويَّة, فلجأ الأهالي إلى حفرِ الآبار الارتوازية وزراعة المحاصيل الإستراتيجيَّة: القمح, الشّعير, القطن, وبدرجة أقلَّ العدس, كما قاموا بزراعةِ بعض أنواع من الخضارِ والجبس و البطيخِ, وخاصّة كان لأبناءِ القرية خبرة متوارثة في زراعةِ الخضروات وغيرها من خلال الآبار التي كانت تسمَّى الغراف "bîrê xerafê" المنتشرة في القرية, ويعمل اليوم الكثير من أبنائها في سوق الدرباسية من خلال فتح المحلات أو ممارسةِ بعضِ المهنِ, علاوةً على ذلك فقد هاجرُ الكثيرُ من أبنائها وخاصّة من جيل الشّباب في السّنواتِ الأخيرة باتّجاه ديار الغربةِ وخاصّة إلى تركيا وإقليم كردستان, فيعملونَ في مجالاتٍ مختلفةٍ كالصّناعةِ, والمهنِ, والتّجارة.


.................

الهامـش

٭نهر شكالۆ (Şekalo) ذكره الكاتب والفنّان المعروف ابن قرية الغنّامية بشار عيسى في دراسة له منشورة في "الحوار المتمدن" بتاريخ 8-12- 2005 بعنوان: مشكلة الكرد وكردستان في سورية في بُعدها السّياسي والجيوتاريخي.