قصائد شعرية مترجمة للشاعر الكردي غمكين رمو

قصائد شعرية مترجمة للشاعر الكردي غمكين رمو

كُوني قمراً ونرجساً


لاتكوني قريبةً منّي ككأسِ ماءٍ

كلّما ينتابني الظمأ

أروي عطشي منه بكلِّ يسرٍ وهوان

ولكنْ، كوني دائماً بعيدةً عنّي

حتّى أبقى ظمآنَ في البيادي

وأبحثُ باستمرار عن ينابيعك تائهاً.

لا أبغي منكِ

أن تكوني وردةً في مزهريَّتي

بلْ كوني كنرجسةٍ جبليَّة

تفتَّحتْ في فصل الشّتاء

من بين شقوقِ صخرتينِ

حتّى أتعطّر برائحتكِ العبقةِ ثملاً.

   

لاتكوني كلّ يوم كشمسٍ صيفيَّة

تلفحُني بأشعتها

حتّى لا أسأمُ وأملُّ من حرارتكِ

لكنْ، كوني كبدرٍ منير

يزيّنُ أحضانِ السماء بجماله

حتّى أكون مشتاقاً ومنتظراً

للحظةِ اللقاء.

أجلْ، يا سيّدتي...

علّمي دائماً عصافير أحاسيسي

كيف تتبوَّأ شجرةَ الاشتياق

حتّى تحطَّ على أغصانكِ

وتتشبّث بكِ بكلّ عشقٍ وجنون

وأبقى أنا دائماً أسيرَ اللقاء.

           


عيون تيلي*


مهلاً أيّها الزمنْ

فأنك تمضي مسرعاً

فأمنياتي لم تنجبلْ بعد

لا تدرْ لي ظهركَ

مهرولاً...

فكلما تقدّمَ بي العمرُ

ترتفعُ الجبالُ علواً بيننا

فأنا مقيّدٌ

في أسفل مراتبِ الأمنيات

والفجرُ لا ينبثق بالتصفيق.

     

فآذارُ مضرّجٌ بالدّماء

ففي نوروز العام الماضي

جرتْ ثلاثةُ جداولٍ من الدّماء

وآذار الذي سبقه لا ينسى

ودموعُ هذه الحمامة 

التي ترقدُ على فراخِها

في هذا الشتاء القارسِ

تترقّبُ ربيعاً.

وسماؤها قد خلتْ من الغيوم

فشعيرُ وقمحُ هذا الوطن

لم يعدْ يشبعُ قرى النمل.


فيالتعاستي! وهذا الجوعْ

لهذا الهروب... وللهجرةْ

ففي هذه المملكةِ العاهرة

بيني وبينَ الانتحار

دخانُ سيجارتي

وعينا تيلي

تردعُني عن الموت.

فعندما تناديني: بابو... 

تهبُّ رياحٌ عاتيةٌ 

وتتوالدُ غيومٌ حُبلى

ببروقٍ معتّقةٍ مجبولة بسيولٍ

جارفة تدعوني 

للتمسُّك ببصيص الأمل

والعدول عن قرار الانتحار

فسرعانَ ما تبدأ الحياةُ من ضحكة هيمن*.

عندما ينادي: بابا... بابا

هذا النّداء الملائكي

يبعثُ في قلبي فجراً باسماً 

بأنّ هذه الحياة لا بدّ أن تمطرَ مطراً.

.............

  • هيمن: ابن الشاعر.
  • تيلي: بنت الشاعر.


هـل تعـرفيـنَ؟


أيَّتـُها البنَفْسَـجـةْ

هـل تعرفيـنَ بأنَّ هذهِ اللَّيالي الطويلةْ

تختطفٔ النـَّوم من العيـونْ

حتَّى غدا النَّومُ أمنيـةً كبيـرة

أبحـثٔ عنـها 

لأحظـوَ بهـا ولـو لمرَّة لأغفـوَ بُـرهـة؟


فالقلبُ مثلٔ زوابـعِ الخـريف

أصبـحَ مَخبُولاً .... متمرِّداً 

فـي عـراءِ بيـادرِ حبــِّك...

وفي تلكَ الآفـاقِ المُغبـرة

لا أثـرَ لـ قمـر حبِّـي ولا وجـودْ.

فلماذا إذاً؛

علَّمـتِ عصافيـرَ اشتيـاقـي

من أن تُهاجرَ

وتبحثَ دائماً عن شجرةِ حبـِّك؟


في كـلِّ ليلـة

كم مـن المـرَّاتِ

تتيهيـنَ زوارقَ حبـِّي

في المُحيطـاتِ المُلتحفةِ بالضَّباب!

والليـالي طـويلة، فقطْ أنـا والليـلُ

لا ألمحُ خيـالـكِ....

ولا يعـلو الرنيـنُ من هاتفـكِ

ليحـوِّلَ صـوتُـكِ صمـتَ اللَّيلِ إلى حفـلةْ...


وهـذهِ الليـلةُ

استيقظـتُ وتحـرَّرتُ من تخديرِ العَواطـفِ

وعرفـتُ تـوَّاً بأنـَّكِ سـرَّاقـةُ القلـوبْ

وعُشَّاقـُكِ دائمـاً في العتمـةِ يرحلـونَ 

مـن دونِ عـودةْ.

      


السلب

كان حبّي بحراً عظيماً

فسلبتِ أعماقهُ عنوةً

ونهبتِ من بساتينه الورودَ والنرجسَ

بعواصفكِ الهوجاء.

فهجرتْه النحلاتُ والفراشات

التي كانت تبشّر بميلاد هواي.

وأحرقتِ المروجَ والبساتين معا.


    

في ربيع الحبّ

أيّها الصّياد....

تلك الظباءُ الناعمة التي تشبهُني

لا تستطيعُ أن تقفَ في مرمى

السّهام

فكم من السّهام 

قد زرعتِها في كبدي؟!!

أيا ملكَ الفرسان، يا من رماهُ الدّهرُ

أعقلْ لجامَ فرسكَ

في ميادينِ الهوى

كفى ما بكَ؟!! وكادأنكَ محاربٌ

ولستَ بعاشق

فقد أمطرتَني بالغبارِ والرماد.


    

هذا اليومُ أعيشُ فيهِ من كلّ قلبي

فالأنغامُ المتميّزة التي تنسابُ

من اعماقِ ذاك النأي الحزين

تزيدُ من عُمق جراحاتي الثّملة

فجعلتِ الدّماء تسري جدوﻻً.

ولم أكنْ أدري بأنك زوبعةٌ

وأنا....

كغصنِ شجرةٍ يرتجفُ متمايلاً

فأسقطت أوراقي واحدةً تلو الأخرى.

         


إلى متى الصّوم ؟


بعدَ باقةٍ من القصائدِ

وبعدَ سنواتٍ

وبعد عدّة مراحل أخرى

وفصولٍ

هل ستقتنعينَ بأنّني مُغرَم بحبكِ

أيا بطلة الرواية

التي لم أكتبها بعدْ؟


يرحلُ الخريفُ

ويقبلُ الرّبيعُ

وتبقى مرابعُ ومصايفُ قلبي

دائماً ملجأً وعشاً لكِ...

لكنّكِ،

لستِ عصفورةً مهاجرةً

ولستِ أنثى وعلٍ جبليّة

تكونينَ أحياناً بعيدةً وتائهة

وأحياناً قريبةً من العينِ واليد

فرحى الزمنِ

تطحنُ الوفاءَ والوعود

ولا... لم اعدْ أدري

بعدَ كم خريفاً آخر

سيصبحُ قلبُكِ بحيرة"وان"

وملجأً لسباحَتي؟


متى ستفتحُ

أبوابَ كنيسة آختامار* عليَّ؟

لأتركَ هذا العالَم السفلي

كمطران عيسى ورائي

وأجعلْ من ظلالكِ استراحةً لي.

إلى متى هذا الصوم؟!!

فأنا أريدُ أن أروي ظمئي

صباحَ مساءَ

فقط بكأسينِ من ماء ثلج آرارات*

فلماذا انتِ مهملةٌ تجاهي 

وفاقدةٌ للعهد والوفاء؟

فالعمرُ يمضي مع الفصولِ

ولا زالتِ القصائدُ 

تولدُ من ينابيع الأقلام

وتصبحُ الاحرفُ كالفراشات

تنجذبُ نحوَ حدائقكِ.

 

هوامش:

  • وجبل آرارات أو آكري: الجبل البركاني الذي رست عليه سفينة النبي نوح، كما هو وارد في التورات، اسمه يدل عليه، حيث إن كلمة (آر او آكري) تعني بالكوردية (النار والناري) كونه جبل بركاني.
  • (كنيسة أختمار) في جزيرة أختمار في (بحيرة وان) والتي تم ادراجها ضمن القائمة المؤقتة لأماكن التراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو).


غمكين رمو:                                          

  • من مواليد عام 1961م، في قرية تعلكي (talikê) التابعة لمدينة الدرباسية في محافظة الحسكة، تفتحت عيناه على جمال الريف وهدوئه وصفائه، وعلى رونقه الساحر وخضرته التي استقى منها الشاعر قيم البساطة والجمال، فصاحب الأدب متأثرا بهذه الطبيعة الفاتنة التي ألهمته ابجدية الحب والحياة، أبجدية الاصالة والإبداع، وكما يقال:(الريف مهبط الشعر وخياله) فأصبح بذلك المنهل الذي روى ظمأه، والمصدر الذي رفده بالعاطفة الجياشة والنزعة الإنسانية الخالصة التي تدعو إلى الطهارة والعفة والنقاء والحب والخير.
  • بدأ غمكين تجربته الشعرية مع الكتابة والشعر في صباه المبكر، وكان دافعه إلى ذلك محبته للغته ومعايشته للواقع اليومي البائس الذي فرض نفسه على تلك البيئة الريفية البسيطة، وتأثره بالأفكار التحررية، حيث يقول:(بدأت بنظم الشعر منذ عام 1980م، وكتابة القصة في عام 1985م، وقد تم نشر قصائدي لأول مرة عام 1986م في مجلة خناف "xunav" الكردية).
  • فقد تأثر في أدبه كثيرا بالموروث الثقافي الكردي وخاصة الأناشيد والقصص الفلكلورية حسب قوله، ويمتاز إبداعه المطبوع بتعدد موضوعاته فتراه أحيانا يصف الحروب وأهوالها، والمحبوبة ومفاتنها وجمالها، وأحيانا أخرى تجده يعرج على القضايا الاجتماعية والوطنية مصورا هموم الوطن وأمنياته، لكن ما يشد الانتباه في قصائده بشكل عام هو انه يستمد مادته من الطبيعة والواقع، ويكثر من استخدام رموزها، مثل: السنونو، النجوم، الشمس، الليل، الحجل، الحيوانات الأليفة...إلخ.
  • يمتاز أسلوبه بالجلاء والوضوح والسلاسة، لأنه يؤمن بأن الغموض دليل العجز والضعف، وقد غلب على نظمه الأدبي الشعر الحر المقفى الذي يلتزم بالقافية والإيقاع الموسيقي الساحر الذي يتناغم مع المشاعر والأحاسيس، فيقول في توضيحه لأنواع الشعر ومذهبه فيه:(الشعر الحديث أو ما يسمى الشعر الحر، هو على ثلاثة انواع: الشعر الحر المقفى، والشعر الحر النثري، وهناك نوع ثالث يجمع بينهما، ففي تجربتي الشعرية قرضت الشعر الحر بانواعه الثلاثة، واستفدت في ذلك من المقامات الفلكلورية الكردية الشعبية في الحب والتغزل كالخريفيات "payzok" و" Heyranok" اللتين أبدعتهما القريحة الكردية منذ مئات السنين، وبشكل عام فإنني أميل أكثر إلى الشعر الحر المقفى الذي يمتاز بطلاوة موسيقاه الداخلية والخارجية...).


أهم نتاجاته الأدبية المنشورة:

  • آهات القلب، شعر، 1991.
  • ليالي سهل ماردين، قصص، 1980.
  • الاخضرار الملتهب (المشوط)، شعر، 1996.
  • أمواج الحب، شعر، 2005.
  • آيات الجبال، شعر، 2008.
  • كبز الأحلام، قصص، 2008.