لعبةالأقدار

لعبةالأقدار

بعد وصولنا لمدينة قامشلو بضيافة خوال أولادي لمدة ثلاثة أيام ، كانت ابنتي / آنا / رافضة فكرة الطلوع والنزوح إلى كوردستان لعدم قدرتها العيش في الكامب لساعة واحدة فقط ، لكنني قررت و اتفقت ، سأترك كل شيء خلفي بيتي، ذكرياتي، وظيفتي، ناسي وانقذ أسرتي كباقي الأسر، لدى اقتراب ساعة الصفر ونحن نستعد ونجهز حقائبنا قال لي ابني الصغير الذي عمره ثلاث سنوات وثلاثة أشهر / محمود / بابا إلى أين نذهب...؟.


- إلى قدرنا يابني...!!!.


ودعنا أصحاب الدار شاكرين لطفهم وكرمهم وانطلقت بنا السيارة الموعودة الساعة الحادية عشرة تقريبا يوم الأحد الواقع بتاريخ 20/10/2019 وسائقنا الكوردي "كوباني" هاتفه لا يقف ويأخذ التعليمات والتوجيهات من معلمه العربي ( المهرب ) ليدله على الطريق ، وهو يلف بنا القرى والأماكن ويوحي لنا بأن الوصلة خطرة عليه وأن أكتشف أمره سيسجن ويغرم بمبالغ هائلة حتى وصلنا على طريق الدولي بالقرب من حاجز وهو يقول :


- إذا سألوكم إلى أين أنتم ذاهبون ، قولوا سنذهب إلى تل كوجر ..

- ولِمَ هذا التأخير وتطويل المسافة ، كان الأفضل لك أن تتجه مباشرة إلى الطريق الدولي من قامشلو وبأقل وقت ، قلت له.


اقتربنا مسافة/ 3/كم من تل كوجر ثم عرج على طريق فرعي إلى أن وصلنا إلى قرية صغيرة شبه مهجورة ونزلنا هناك ثم قال :


- انزلوا هنا ،السيارة خلفي تراقبنا ، وسنأتي حال مغادرتي ، حاسبته على المبلغ المتفق عليه وذهب.


انتظرنا ومللنا ونحن نراقب الطريق من بعيد ، لكن لا شيء يلوح بالأفق ، اتصلت بالمهرب عدة مرات ، وهو يقول: اراقبكم من بعيد وأنتظر الفرصة المناسبة ، اذهبوا و ارتاحوا قليلاً بالبيت القريب حتى قدومي، فسمعنا صاغرين أوامره و توجهنا إلى الدار ونباح الكلاب من حولنا، الأولاد مذعورين، ترتعد فرائصهم، وأنا أحاول رفع معنوياتهم وتشجيعهم على قدرة التحمل وأن علينا الصبر حتى نصل إلى المكان المنشود،

ظهر لنا مجموعة شباب، لحاهم سائبة والبستهم نتنة وكأنها لم تعرف الغسيل، سلموا عليَّ، فجملة " السلام عليكم " كانت كافية أن تزلزل تحت أقدامنا

دخلنا الدار المسور ببعض الأشجار، لحسن حظنا كان الساكن شاب معاق رحب بنا وصب لنا الشاي ووضع بعض المخدات النتة خلف ظهرنا، أبينا الشرب رغم حبي للشاي، بعد نصف ساعة تقريباً، كانت المفاجئة التي كنت أحسب لها ألف حساب ومنذ ظهور داعش، حيث ظهر لنا مجموعة شباب، لحاهم سائبة والبستهم نتنة وكأنها لم تعرف الغسيل، سلموا عليَّ، فجملة " السلام عليكم " كانت كافية أن تزلزل تحت أقدامنا وتدمر ذواتنا وتبعث الخوف بداخلنا وتزهق أرواحنا، تلك الجملة التي كانت تدل على السلام والطمأنينة حولوها إلى رعب قاتل هي الانتهاك و الذبح ،جلسوا بالقرب منا، يتهامسون، يحدقون بالنسوة، تدفق الدم إلى رأسي، قبضتي تعتصر أصابعي تكاد تخلعهم، ازدادت خفقان قلبي، يا إلهي... ما هذه الكائنات العجيبة ومن أين أتوا، ومن أخبرهم... ؟... لا شك ذاك الصغير الراكب على الحمار، كان جاسوسهم فهيئته تدل على ذلك، ذعرت أسرتي من سلوكهم والجلوس بالقرب منا و كان الرعب الأعظم لدى طلوع احدهم على السطح ليراقب الطريق والمارة على بعد 300 م او أكثر وجلوس الآخر على الدرج وهو يحدق فينا، كنت أراقب الشخص الذي كان على السطح من خلال ظله وحركته، ثم بادرت بالسؤال للشخص الجالس بالقرب منا :


- من اي عرب أنتم ، وكم عدد القرى التابعة لعشيرتكم ..؟.

كان أمامي خيارين لا ثالث لهما، هو عدم تأجيل الموت، ان كان لا بد منه، أو الخروج من المزرعة

أجابني عن أسئلتي، لكن الرعب سيطر علينا واستلمنا صاغرين، بالأخص خوف زوجتي التي نشفت ريقها و صارت عينيها تتوسل، تترجى مني الخروج من هنا بأي شكل وبأي وسيلة من هذا المأزق، أحسست أنها خائفة على بناتي الصبايا أكثر من نفسها ومن أطفالها الصغار، كان أمامي خيارين لا ثالث لهما، هو عدم تأجيل الموت، ان كان لا بد منه، أو الخروج من المزرعة، استجمعت قواي و دعوت ربي لخروجنا بشرف من هذا المأزق، وقفنا واستعدنا، حملنا الحقائب و توجهنا بخطى مرتعشة و خجولة نحو خارج المزرعة، نظروا إلى بعضهم ثم سألوني الى أين، دعكم هنا بالمزرعة او أدخلوا الصالون .


- رديت بخوف : مضيفي سيصل الآن وحدثني بأن أقف على قارعة الطريق بالقرب من اامزرعة، خرجنا والخوف يدب في ارواحنا و على كياننا.


هاتفت المهرب وقلت له : إذا لم تخرجنا من هنا و من بين هذه المجموعة سأضطر العودة إلى قامشلو حالاً...

بعد حرق الأعصاب جاءنا الفرج عندما وقفت سيارة من نوع / الهونداي / ، سألت السائق وبتوجيه من زوجتي المذعورة :


- أخبرني ، هل رقمي لديك؟..

- قال انظر إلى هاتفك ، آخر ارقام هاتفي كذا وكذا لتتأكد ، نظرت و دققت بالرقم وحينها تنفست الصعداء.