شيزوفرينيا

شيزوفرينيا

كانت امرأةً في الثلاثين من العمر، بيضاءَ ،جميلةً، بعينين سوداوين واسعتين تختزنان كل أساطير الجمال، وشعرٍ أسودَ يسافر على كتفيها كأنّه شلال نهر ، ونهدين هامسين عابثين يتنافرانِ حيناً وينسجمانِ حيناً ، حدث أن سافرت مع بعض صاحباتها بحراً للخلاص من جحيم بلادها والتحرر من كل الأطواق والأساور التي تلفُّ عنقها ويديها، تحلم بما هناك، على الجانب الآخر من البحر حيث الحياة الصاخبة والضجيج والليل والجنس والحرية.

فدفعها الفضول إلى اللحاق بهما دون أن يلاحظاها وبدأت تختلس النظر لما يفعلانه

في عرض البحر على متن السفينة كانت محتفظةً ما تزال بشيءٍ من غرورها وحيائها الأنثوي ، تراقب النجومَ ليلاً وتسمعُ أنين المياه الذي يشبه أنينها، وقعت عيناها على شاب طويل القامةِ مجعّد الشعر، يميل وجهه إلى السمرة وتبدو عليه علامات القوة والعنفوان يصطحب إحدى صاحباتها سرّاً إلى زاويةٍ لا يراه فيها أحد فدفعها الفضول إلى اللحاق بهما دون أن يلاحظاها وبدأت تختلس النظر لما يفعلانه، رأت بعينيها كيف هجم الشاب بشراسته الذكورية على صديقتها وبدأ يلتهمها بشهوة قاسية كما يلتهم فاكهةً ناضجة، وسمعت بأذنيها أنينهما المكبوت، وآهاتهما المخنوقة وهما يتسابقان للوصول إلى الرعشة الأخيرة، كانَ هذا كافياً ليشعلَ الرماد الخامد ويحرّك الأنوثة المستفَزّة.. وهكذا بدأ المشهدُ يتكرر أمامها تعيده بتفاصيله وتغمض عينيها لتأخذ دور صديقتها في خيالها.


لم تعد قادرةً على محو ما رأته من شريط الذاكرة، وبينما هي كذلك في الليلة التالية مستلقيةً على سريرها لا تستطيع النّوم لمحت الشاب يتسلل بهدوء ليوقظ صديقةً لها هامساً في أذنيها ومحركا يديه ببطءٍ على جسدها ليأمرها بالخروج من المخدع، لم ينتبه الشاب بأن هناك من يراقبه فخرج ومعه امرأته الجديدة بحذرٍ شديد

يجب أن تموت وتنال عقابك لما فعلته

هناك وفي زاويته التي اختارها استيقظت غريزته ولكن هذه المرّة بشكل أقوى وأكثر شراسة فقد بدا كالوحش الكاسر الذي ينقضُّ على فريسته ويغرس أسنانه في لحمها ليشبعَ نهمه وجوعه، كانت الصرخاتُ أقوى وحركات الجسد أشدُّ عنفاً ، كلُّ هذا والمسكينةُ تراقب ما يحدث وتمدُّ يدها ببطءٍ شديد تحت ثيابها لتنال هي الأخرى نصيبها من المتعة.


في صباح اليوم التالي بدأت تلاحق الشاب بنظراتها العدوانية وأخذت فكرة الانتقام تسري رويداً رويداً لتجد لها مكاناً في عقلها وقلبها.


كيف لهذا الشاب أن يراود صديقتيها بهذه السهولة وهذه السرعة، وكيف لصديقتيها أن تمنحاه جسديهما وأنوثتهما وهما لم ترياه إلا في رحلتهما قبل يومين.

كان يوماً طويلاً مرّ عليها بقيت فيه سجينة أفكارها وشيطانُ الجريمة لم يفارق مخيّلتها وهي تعد الدقائق والساعات بانتظار الظلام.


مضى اليوم طويلاً عليها كأنّه دهر وحين ساقها شيطانُ أفكارها إلى الجريمة ، حملت سكيناً ووضعته تحت ثيابها وخرجت لتنفيذ ما عزمت عليه، الشاب كعادته كان يمشي منتشياً مزهواً ينتظر موعده مع احدى امرأتين مارس معهما الجنس في الليلتين المنصرمتين.


تقدّمت نحوه بخطاً خائفةٍ مترددة ويدها على السكينة المخبأة تحتَ ثيابها.


وحين اقتربت منه ظن الشاب أنها واحدة من نسائه، فتح ذراعيه لاستقبالها لكنه تفاجأ بامرأة تسحب سلاحاً وترفعه قائلةً: يجب أن تموت وتنال عقابك لما فعلته، كانت يدها المرتجفة أجبن من أن ترفع سلاحاً وأرقّ من أن تغرسه في صدر عدوها، وبدل أن تنفّذ جريمتها استقبلت ذراعَي رجلها الأسمر وارتمت في أحضانه وصارت تهمس في أذنه: إما أن تموت أو تفعل معي ما فعلته في ليليتك الماضيتين.