شعورٌ بمنطق الذاكرة

شعورٌ بمنطق الذاكرة

هو شعور تتقاذفه أقدام الضعف والعجز أمام المصيبة، يسيطر على صاحبه، يضيق عليه الخناق، يرتشق ما استطاع من أنفاسه و جلّ طاقته، هو شعورٌ لاذع إذ ما داهمنا، ألا وهو (الخوف).


متى نخاف، ممن نخاف و لمَ نخاف ؟!


ثلاثة أسئلة بقيت تدور في رأس الصبي الذي كان طفلاً قبل عشرة أعوام، يكوّر أعضاءه في زقاق حيّه الذي صار هشيماً.


عاد يناقش مع ذاته الأسئلة ذاتها بعدما تجاوز العشرين من عمره و لاح بين خصلات شعره الغير مصفف شيب الخمسين..


يتساءل بعد الحرب التي سلبت منه أمان روحه، رمته بين أحضان اليُتم و من ثم جعلت من الشوارع والأرصفة أماً له و وسادة في ليالي برده، و من فوانيس الغربة أباً ظالماً، يجلده كل يوم بلا رحمة، يسلب منه مصروف جيبه ثمرة بيعه كرامته، و بصقات الشفقة كل حين تنثر رزازها في منتصف وجهه العاثر .


ترعرع تحت سقف الفقد و الوحدة، فصنع لنفسه درعاً من قبضته وعضلات صدره المرهق بالندوب والصفعات .


كذلك ينمو الخوف في أوّله قبل عشرة سنين منذ الصدمة الأولى، وانفجار البؤس الأكبر في وجه الربيع و حتى تواليها حسباً لحركة العقارب في التوقيت الزمني، حتى ينضج فيه و يصبح أحد دلالات شخصيته المهزوزة.


نخاف لأننا لا نرى عماداً نستند عليه أثناء وقع الطارئ فوق رؤوسنا .


نخاف يوم لا ندرك كيفية احتواء الألم ساعة الغياب الأزلي لمن كانوا الأعز و الأقرب إلى نفوسنا على الإطلاق..

الخوف حالة مكتسبة و ردة فعل

نخاف لأننا نجهل الآتي، والجهل هو أكبر الفخاخ التي يمكن للمرء أن ينزلق فيها، و بالتالي عدم مقدرتنا و شعورنا بالعجز حيال ذلك يعظّم فجوة الخوف في داخلنا.

فالخوف حالة مكتسبة و ردة فعل، حالها كحال كل الطبائع البشريّة وليست بفطرية. تأتينا نتيجة وقائع وأحداث مؤلمة في حياتنا .


لذا يوم نتدارك مخاوفنا التي هي على شكل انكسارات وغصّات وقروح في القلب، تهدد اندفاعنا نحو الأمام، حينها فقط نستطيع أن نقف على أرض ثابتة ونلجأ إلى حيث نريد.


ذلك يتحقق أيضاً عندما نتعلم أوّلاً التحكّم باختلاجات أجسادنا ساعة الخوف، انقباض صدرونا، ارتفاع معدل ضربات قلوبنا، زيادة نسبة الكالسيوم والسكر في الدم وأيضاً عسر الهضم، القلق والأرق عند النوم. كل ذلك نستمّده ثماراً من حقول معرفتنا و إدراكنا تجاه المعطيات في الحياة.

غير ذلك تنميّة الرؤية الفكريّة لدى المرء تُحدث الهارموني العجيب بين أعضاء الفكر والجسد و الشعور .


حيث نستوعب أن المعرفة هي الغذاء الذي يضمن عدم تلاشينا والبوصلة الصائبة في طريق غاياتنا على الأرض، وهي المناعة التي تحمي وجودنا، تصدّ هجمات الفيروسات الخارجية، وتكبح جماح ثورة مشاعرنا و جراحنا، أيضاً تعيد ترتيب آفاقنا و تطلعا تنا.


 نوجين قدو