وطنيون جدا , قوميون جدا, امميون جدا .... فما الجديد؟

وطنيون جدا , قوميون جدا, امميون جدا .... فما الجديد؟

الحكم او السلطة التي لا ترتكز على شرعية ممثلة لمصالح المجتمع تصبح دمارا للمجتمع اكثر بكثير من الاستغلال الاستعماري والاحتلال الاجنبي

جملة الاحداث الهائلة التي طرأت على الشرق الاوسط بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حتى الآن تستدعي تحولاً للمستقبل , اي خلال الثلاثين سنة التي مضت جرت تغيرات كبيرة في بلدان العراق وسوريا ومصر واليمن وتركيا وايران وغيرها ادت إلى تحولات في الواقع السياسي والأمني والاقتصادي والمجتمعي بشكل عام , هذه التحولات تستدعي تحولا نوعيا فكريا وثقافيا يقع على عاتق الفئات العاملة في مجال الفكر والثقافة والسياسة اكثر من غيرها .


اعتقد أن الذهنية التي كانت سائدة في القرن الماضي بحاجة إلى تغيير يتناسب ليس فقط مع ما جرى ويجري , وانما تنسجم مع مآل هذه الاحداث والتحولات في المستقبل القريب والبعيد .

الفكر الاسلاموي والقوموي المتفاعل مع الممارسات القمعية او الاستبدادية التي جرت باسم دكتاتورية البلوريتا وحزبه ( من طراز جديد ) افضى إلى تدمير الطبقة العاملة باسم شعار حكمها ولجم التقدم والرجوع إلى أوضاع ما قبل مدنية باسم شعار التقدم . وتم تفكيك المجتمعات باسم العدالة الاجتماعية


لقد جرى ايضا تدمير الاوطان تحت شعارات ( الوطنية ـ الوحدة الوطنية ) .لاسباب كثيرة يندمج قسم من الناس مع سياسة الحاكم في الشرق الاوسط , هذا الحاكم الذي يرتكز على منظومة من تشكيله او يتسلق إليها ليتحكم بالحكم او السلطة , وعلى الاغلب يكون بواسطة انقلاب عسكري او استغلالا لظروف ينتهزها منتهجا خطابا يروج له ويجيش له الامتيازات التي تتوفر باكتساب المزيد من النفوذ والسلطة .

هكذا يخلق هذا الحاكم بطانة تتوسع وترتب تنظيم المجتمع بما يلائم استمرار طغمة في الحكم يتحكم بكل شيء في المجمتع والدولة ليؤدي بهما إلى الدمار والالتحاق بفوذ المحيط الاقليمي والتبعية للقوى العالمية . 


ها هو العراق (الوطن ) الذي حارب ايران 8 سنوات تحت شعار ( البوابة الشرقية للامة العربية ) تحول إلى محتل للكويت التي حررتها الدول العربية المتحالفة مع ( الامبريالية والرجعية ) من الاحتلال الصدامي , قد بات حاليا بلد الميليشيات الطائفية وتحت النفوذ الايراني يعيش ما يشبه الحرب الداخلية .


ها هي ايران الثورة (الاسلامية) تحولت إلى راعية صراع الشيعة مع السنة في (بلدان عربية ) اليمن الموحد والبحرين والعراق وسوريا ولبنان . وها هي الجمهورية التركية ( العلمانية ) تحولت إلى جمهورية أسد السنة ترعى صراع ( السنة والجماعة ) ضد الشيعة والكرد والارمن ... ومحررة المناطق السورية من نظام الوحدة والحرية والاشتراكية العربي .

ها هي ليبيا الاشتراكية الشعبية العظمى باتت منطقة صراع المرتزقة ضد اهل البلد بايدي تركية وروسية وغيرها .

ها هي القضية المركزية للامة العربية (قضية فلسطين ) باتت ورقة بيد غير العرب تركا وفرسا .والعلم الاسرائيلي يرفرف في عدد متزايد من الدول العربية .


ها هي سوريا ( الوطن ) ( قلب العروبة النابض ) خارج جامعة الدول العربية ,مباحة في الارض والبحر والسماء لمختلف دول الاقليم والعالم وأصبحت أهم مناطقها ضحية الاحتلال التركي بغطاء ( وطني سوري معارض ) قومي ـ اسلاموي ( وطني جدا جدا ) إضافة للدوريات العسكرية والمستشارين الروس والامريكان وغيرهم .

العناوين البارزة للاوضاع الحالية لمجتمعات الشرق الاوسط واضحة وضوح الشمس . إن مقدمات التحول العميق في مجتمعات الشرق الاوسط توفرت على مدى نصف قرن مضى تكفي لإجراء تحولات في الفكر والثقافة والخطاب السياسي , نحو مجتمعات اكثر انسجاما مع مكوناتها التي تقبل الآخر واقعا حقيقيا بعيدا عن شعارات المرحلة التي مضت

تلك الشعارات التي حشدت عواطف الناس والهبت المجتمعات خلفها , دون أن نتنكر لانجازات كثيرة توجت تضحيات الناس وامكاناتهم المادية والثقافية , إلا ان الحصيلة العملية في أخر المطاف كانت لصالح أفراد وفئات مارست الاستبداد وتسببت في حروب ٍ كثيرة متنوعة اذهبت بأغلب تلك الانجازات او المكتسبات واصبح ملايين البشر لاجئون ومشردون وضحايا وعاهات جسدية وامراض نفسية وتبعات ستسمر عشرات السنين ناهيك عن دمار البنى التحتية . لم تعد تلك الشعارات والخطابات (الأممية أو الوطنية أو القومية ) تنطلي على الناس ( الدولة الاشتراكية العلمية ـ دولة عربية واحدة من الخليج إلى المحيط ـ الجمهورية الاسلامية ـ دولة اسلامية واحدة لكل شعوب العالم ـ تحرير وتوحيد كردستان ـ تحرير فلسطين ـ ..... ) , وأمثال هؤلاء الافراد والفئات لبست شعارات جديدة دينية و طائفية أرادت إعادت مجتمعات الشرق الاوسط في الكثير مما سميت أوطانا لتزيد الاوضاع الكارثية كارثية اكثر , كونها جمحت للعودة إلى قرون مضت عفى عليها الزمن وتجاوزتها الحضارة العالمية الحالية . هي بدورها سقطت دون أن تزول مخاطرها على مجتمعات المنطقة والعالم ,بمعنى أن ذلك الفكر وتلك الثقافات التناحرية والممارسات القمعية فشلت فجلبت الخراب لتلك المجتمعات او البلدان وهي بنفسها أسقطت تلك الشعارات ففضحت أصحابها لكنها لما تزال ولن تزال تماما بسهولة , وافضل هؤلاء لم يجرؤ على القيام بمراجعة نقدية مفيدة قبل أن يتقبل ثقافة الاعتذار والتسامح , حتى يمهد الأزلام والأنصار او الأتباع ليتمثلوا تلك الثقافة ويمارسوها .


اذا كانت وقائع المجتمعات وحقائق مكوناتها قد انكشفت ومزقت الزيف الذي كان سائدا كما حصل في ( الاتحاد السوفييتي وحلفائه في حلف وارسو ) فلا بد من انبثاق الجديد لمجتمعات جديدة بأوطان جديدة وهذا ما يجري مخاضه حاليا تكون بناها الدستورية وسلطاتها التنفيذية انعكاسا أقرب إلى حقائقها المكونية والثقافية ومراعية لمصالح الفئات المنتمية إليها على قاعدة قبول الاخر شريكا على قدم المساواة في الوطن المتحرر من لوثات الماضي ومبنيا ايضا على انجازات الماضي

هناك مفكرون ومثقفون كثر بدؤا مسيرة بناء الذهنية الجديدة لأوطان جديدة , منهم حسب رايي المتواضع : المفكرون : حسين مروة ـ مهدي عامل ـ هادي العلوي وأيضا الدكتوراحمد محمود الخليل والدكتور محمود عباس والاعلامي احمد الزاويتي وآخرون على سبيل الذكر وليس الحصر

المؤسف إنه لا زالت الكتابات الهامة جدا والنتاجات الفكرية العميقة او البناءة لمستقبل افضل بعيدة عن عقول وقلوب العامة , تلك النتاجات الجديدة المنسجمة مع تبلور الذهنية الجديدة والمؤسسة لها , فهي طي الكتب والمدونات ومواقع الانترنت قليلة الارتياد , لم تجد طريقها إلى عقول الناس لكي تصبح قوة الفعل والتحول , للخروج من الاوضاع الكارثية الحالية , هذه الاوضاع التي عطلت الفعل البشري الوطني او المحلي , وربما تكون أحد اسباب ذلك هو طرحها بأدوات غير منسجمة مع التطور التقني الحديث المتميز بالاختصار والسرعة والتفاعل بعتدد الحواس البشرية .


هنا ارى ان المطلوب تشكل بنية جديدة تفاعلية بين هؤلاء الكتاب والمفكرين مع ممارسي ومتمكني الجانب التقني الحديث لتصبح قوة وفعل النهوض من تحت الركام , للخلاص وبناء المستقبل الجديد المنسجم مع السلام والتحضر والتقدم وممارسة حياة عصرية أفضل


أمين دردي