المـرأة الكُردیّة في روج ئاڤـاي كُـردستـان أیقونـة للتحـرُّر والانعتاق

المـرأة الكُردیّة في روج ئاڤـاي كُـردستـان أیقونـة للتحـرُّر والانعتاق

تُعتبر المرأة الكردیّة الأكثر تحرّراً مقارنة مع مثیلاتها في المجتمعات الشرق أوسطیّة الأخرى، فقد لعبت تاریخیاً أدوراً مختلفة جنباً إلی جنب مع الرجل في مجال العمل والثقافة والنضال، إلّا أنّ هذه الأدوار حتّی نهایات القرن الماضي لم تكن كافیة لتتبلور إلی مشروع حقیقي تتمكّن المرأة خلاله من المشاركة الفعّالة في الحیاة العامة من دون تمییز أو إقصاء، فالمرأة الكردیّة عانت تاریخیاً معاناة مزدوجة وخاصّة في ظلّ الٱنظمة الاستبدادیّة التي ألحقت بها كوردستان منذ بدایات القرن الماضي. فالمعاناة الأولی هي قومیة كونها ٳنسانة كردیة فذاقت إثر ذلك مرارة الظلم والاضطهاد القومي وواجهت كلّ السیاسیات التي تستهدف النیل من شعبها حسب ماتوفّرت لها من إمكانات. 


والثانیة كونها إمرأة وفي مجتمع شرقي والتي تقتصر وظیفتها علی الخدمة والٳنجاب فقط، فتحوّلت إلی أسیرة العادات والتقالید الظالمة وأصبحت تعیش علی هامش الحیاة فذاقت نتیجة ذلك شتّی صنوف الغبن والاضطهاد، وكون المجتمع الكردي هو جزء من المجتمع الشرقي العام فطبیعيّ جدّاً أن یكون جزءاً من واقعه المعاش وأسلوب ونمط حیاتة وطریقة تفكیره ونظرته إلی كل المسائل والقضایا وإن كانت هناك فروقات طفیفة ترجع إلی العادات والتقالید والقیم، لذلك اقتصر بروز شخصیة المرأة الكردیة تاریخیاً علی حالات فردیة هنا وهناك وشخصيات لعبنَ دوراً ممیّزاً ومهمّاً في كسر الحواجز والقیود التي وضعت أمامهنّ كالمناضلة لیلی قاسم في كردستان العراق، وروشن بدرخان، عادلة خان...إلخ وكثيرات أمثالهن.


undefined


المرأة الكُرديّة السّورية وبدايات نضالها السّياسي

فعلی الرغم من أنّ الحركة السیاسیة الكردیة في سوریا ومنذ منتصف القرن الماضي ركّزت في أدبیاتها علی مشروع تحرّر المرأة إلّا أنّه بقي شعاراً نظریاً، لم یترجم في المیدان العملي كما یجب، ففي بدایات منتصف القرن الماضي وعند تأسیس الأحزاب السیاسیة أي منذ عام 1957م وانخراط الجماهیر في صفوفها كانت مشاركة المرأة في الحركة السیاسیة شكلیة فاقتصر الأمر علی النساء اللواتي یعمل أحد رجال عائلاتهنَّ، الأب، الأخ، الزوج في صفوف الحزب بشكل عام، ومن جانب آخر یجب ألّا ننسی الظروف العامة آنذاك والقبضة الأمنیة وكذلك لما یمكن أن تؤدي ممارسة المرأة للسیاسیة إلی الاعتقال والسجن والتي یعتبر بمثابة انتقاص وعار سیلحق بعائلتها وأهلها فيما بعظ ويسيء إلی سمعتها.


إلّا أن كل ذلك لم یقف عائقاً أمام المرأة الكردیة بشكل عام وخاصّة في كردستان سوریة، ولا سیما بعد التحاق أعداد كبیرة من الفتیات بالجامعات والمعاهد في الداخل السوري وحضورهنَّ الملفت في ندوات ونشاطات الحركة السیاسیة الكردیة وتلاقیهنّ مع اقراتهنّ من المناطق الكردیة الأخری في سوریة، كلّ ذلك مهّد الطریق لها نحو التحرّر والانعتاق، ففي انتفاضة 2004م والنشاطات التي تلتها أثبتت أنّها لا تقلّ بطولة ووعیاً عن الرجل، ومنذ ذلك الحین وقبله بفترة بدأت المرأة الكردیة بتنظیم عملها من خلال تشكیل اتحادات ومؤسّسات تهتم بتوعیة المرأة وتعریفها بدورها وحقوقها حتّی تشكّلت تنظیمات سیاسیة داخل الٱحزاب باسم "تنظیم المرأة" انطلاقاً من فكرة وحقیقة أنّه لایمكن لأيّ مجتمع أن یتحرّر ویتقدّم ما لم تأخذ المرأة دورها الفعّال ومكانتها فیه، فالمرأة كما هو معروف في الدول المتقدّمة بعد أن أثمرت نضالاتها قد تبوّأت مناصب سیادیة ومسؤولیات مرموقة علی كافة الصُّعد وتعدّ مشاركتها في الفعالیات المجتمعیة من أهمّ مقاییس التقدّم الاجتماعي إلّا أنّها في مجتمعاتنا بقیت مهمّشة من خلال إهمال دورها وعدم الاهتمام بإمكاناتها وقدراتها بل أحياناً نعتها بصفات دونیة للانتقاص من منزلتها وكینونتها، والشكّ بأهليتها وقدراتها حتّى أن حقوقها لم تراعى بشكل مطلوب في الدساتير والقوانين الموضوعة. 


undefined


لذلك عندما هبّت ثورات الربیع العربي سارعت المرأة الكردیة في كوردستان سوریة إلی تنظیم نفسها والتحضیر للمرحلة الجدیدة، فبدأت بكسر القیود والعراقیل التي تقف عائقاً أمامها وخاصّة الذهنیة الذكوریة التي استعبدت المرأة عبر التاریخ وكذلك ثارت علی كافة أشكال العنف والتمییز التي تتعرّض لها المرأة لتتمكّن من لعب دورها الریادي في شتّی المجالات، فاستطاعت أن تنجز ثورة نسائیة داخل الثورة الوطنیة العامّة لتثبت للجمیع وخاصّة للرجل بأنها شریكة حیاة ورفیقة سلاح، فكان لهذا الواقع الجدید والتطوّرات التي حصلت أثرها الإیجابي في تطوّر الوعي المعرفي لدی المرأة فسنحت للمرأة فرصة مناسبة لتطوّر شخصیتها ومنحتها الثقة بنفسها، وفي هذا الصدد یجب ألّا ننسی الدور الذي لعبه حزب العمال الكردستاني منذ تأسیسه عام 1978م بین النساء الكردیات في كردستان سوریا حیث تأثرت المرأة الكردیة بشعار " توحید وتحریر كردستان" والتحقت به أعداد كبیرة من النساء الكردیات ولجأنَ معه إلی الجبال لقناعتهنَّ بضرورة النضال من أجل شعبهنَّ المضطهد وحقوقه المشروعة في تغاض ملحوظ لنشاط الحزب آنذاك من قبل الحكومة السوریة، لذلك كان للحركة السیاسیة الكردیة عامّة بمختلف تسمیاتها وتیاراتها ومنذ تأسیس أوّل حزب سياسي كوردي في سوریا عام 1957م وحتّی الیوم دور في ثورة المرأة علی الواقع المیؤوس والمقیّد فتمكّنت المرأة من تجاوز مرحلة الجمود والانتقال إلی مرحلة أكثر تحرّراً وانفتاحاً وإثباتاً للوجود حتّى أنّها أصبحت تقود المجتمع بامتياز ومنهن من وصلن إلى مراكز قيادية مهمه وحساسة وإلى حمل أوراق القضية إلكردية إلى المحافل الدولية.


undefined


المـرأة الكرديّـة والثورة السـورية

فمع قیام الثورة السوریة في آذار عام 2011 بدأت مرحلة جدیدة في حیاة المرأة الكردیة في سوریة، وخاصّة عندما بدأ ناقوس الخطر یهدّد الوجود الكردي في سوریا، فأثبتت دورها الفعّال والتنظیمي في كافة الهیئات المدنیة والعسكریة، وسارعت إلی حمل السلاح كتفاً بكتف إلی جانب الرجل، وشاركت في المعارك بكل قوّة وثقة وسطّرت أروع الملاحم في البطولة والفداء، وجدیر بالذكر إنّ المرأة شاركت وتشارك في الحروب والقتال في العدید من الدول إلّا أنه ما یمیّز نضال المرأة الكردیة هو أنه في كوردستان فقط تبني المرأة قوّاتها بشكل مستقلّ وحرّ، فتتحمّل المرأة مهام ومسؤولیات عسكریة بالاعتماد المرأة فقط وتقوم بخوض المعارك الدفاعیة حتّی في الخطوط الأمامیة. لذلك فقد أسّست المرأة تشكیلاتها العسكریة لتحقیق هدفین رئیسین أو معیارین هامّین:

  • المعیار الوطني: للدفاع عن الوطن والشخصیة الكردیة واللغة والثقافة وكل المكوّنات التي تحمي التاریخ والوجود.
  • المعیار التحرُّري: للوقوف في وجه العقلیة الذكوریة المتخلفة وثقافة العنف التي تمارس ضد المرأة، وكذلك بعض القوانین التي وضعت للتقلیل من شأن المرأة وبأنّها كائن ضعیف أو التشكیك في قدراتها وإمكاناتها. باختصار یتلخّص هذا المعیار بالدفاع عن الحقوق المشروعة للمرأة والاعتراف الكامل بوجودها وقدارتها.


undefined


لذلك بناءً علی ما تقدّم ومنذ 2011م باتت المرأة الكردیة تتصدّر صُورها واجهات الصحف الإعلامیة الكبری وعناوین المجلات وشبكات التواصل الاجتماعي بأنّها مثال للمرأة البطلة والشجاعة وخاصّة أنها واجهت أعتی قوی ظلامیة في التاریخ المعاصر المتمثّلة بداعش التنظیم الأكثر إرهابا وقسوةً في العالم، فبدت صورة المرأة الكردیة أمام العالم بأنها مقاتلة، قویة، جریئة، لاتقبل الذلّ، مضحیّة، مدافعة عن كرامتها، وعن وجودها وشخصیتها. كلّ هذه الصفات جعلت من المرأة الكردیة رمزاً للنساء الحرائر في العالم، وشوكة في أعین خفافیش الظلام وأصحاب الفكر المتعفّن من داعش ومثیلاتها من التنظیمات التي تنظر إلی المرأة كسلعة أو أداة تباع في أسواق النخاسة، فقد لقّنتهم المرأة الكردیة درساً قاسیاً لیصبح عبرة لهم ولغیرهم ونسجت بأحرف من نور أروع ملاحم في البطولة والتضحیة والفداء.


فمنهن روین بدمائهنَّ الزكیة تراب الوطن وأصبحن نجوماً ساطعة في سماء كوردستان كالشهیدة بارین كوباني التي تصدّت للعدوان التركي ومرتزقته في عفرین ببطولة لامثیل لها وكذلك الشهیدة هڤرین ومئات الشهیدات اللائي امتزجت دماؤهنَّ بتراب الوطن فأصبحن قناديل تنرنَ طریق الحریة أمام الأجیال لیسلكوه جیلاً بعد جیل.


undefined


صورة المرأة الكردية المقاتلة عالمياً

لقد برهنت المرأة الكردیة في روج آفاي كوردستان للعالم أجمع بأنّها رمز للمرأة الثوریة المقاتلة من أجل الحریات، فنالت بامتیار صورة المرأة التي یجب أن یُقتدی بها، ولم تتوقّف الصورة عند حدّ التعاطف مع بطولاتها والانتصارات التي حقّقتها علی الإرهاب فحسب، بل تعدّی ذلك في تقلید ارتداء زيّ وحدات حمایة المرأة (ypj) في عدد من الدول الٱوربیة والعالمية الأخرى، ولم یتوقف أیضا الدور الذي لعبته عند هذا الحدّ بل أصبحت بطولاتها مادّة في الأدب والفن، فصدرت مؤخراً روایة (بنات كوباتي) للكاتبة كايل تزيماش ليمون ضمن (١٢) كتاباً في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تروي البطولات المنقطعة النظير لوحدات حماية المرأة الكردية في سوريا ضدّ تنظيم داعش الإرهابي حتّى تحرير كوباني البطلة، لذا تزامنا مع مرور الذكرى السادسة لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي في كوباني أعلنت مؤخراً سيدة البيت الأبيض ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون وابنتها تشيلسي، إنتاج مسلسل يجسد شجاعة الفتيات الكرديات.

undefined


وتعتزم شركة “HiddenLight” التي يمتلكها آل كلينتون إنتاج مسلسل تلفزيوني عن مقاومة الفتيات الكرديات لداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية، بعد شرائها حقوق تحويل كتاب “بنات كوباني.. قصة ثورة وشجاعة وعدالة” لمسلسل درامي.حيث صرحت هيلاري كلينتون في بيان: “إنّ كتاب (بنات كوباني) قصة غير عادية لنساء شجاعات وثائرات، يناضلن من أجل العدالة والمساواة”. وأضافت: “لا يمكننا إلا أن نكون متحمسين للغاية لتقديم هذه القصة الملهمة إلى المشاهدين في جميع أنحاء العالم". علاوة على ذلك أصبحت تلك البطولات مادّة للكثير من الأعمال الأدبية والفنية والمسرحية على مستوى المحلّي والعالمي.


لذلك أثبتت المرأة الكردیة للعالم أجمع بأنّها أیقونة التحرُّر والانعتاق، وإنّ المرأة هي التي تبني عالم الجمال والكرامة والحیاة والحبّ والسلام والأمن والاستقرار، وما قدّمته من بطولات في وجه الإرهاب والقتل والدمار ٳلّا لتثبت بأنّ الحیاة الحقیقیة هي حیاة التحرّر والانعتاق.