الشّباب الكرد ووسائل التّواصل الاجتماعي

الشّباب الكرد ووسائل التّواصل الاجتماعي

تحتلُّ وسائل التّواصل الاجتماعي اليوم المساحة الأكبر من اهتمامات النّاس في كل بقاع العالم وقد أشارت الدّراسات السابقة للعام 2021 أنّ عدد مستخدمي هذه الوسائل حول العالم من المتوقّع أن يصلَ إلى أكثر من 3.5 مليار مستخدم وصدقت هذا التوقّع حيث قالت البيانات الواردة في التقرير العالمي ( ديجيتال 2021) الّذي نُشرتْ نتائجه إنّ عدد مستخدمي شبكات التّواصل الاجتماعي النشطين في العالم سجّل مع بداية العام الحالي 4.2 مليار مستخدم نشط ، وبحسب التّقرير العالمي ومع وصول قاعدة مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي إلى هذا المستوى ، ترتفعُ نسبة انتشار الخدمة مع بداية العام 2021 إلى حوالي 53.6% من إجمالي عدد سكّان العالم المقدّر بحوالي 7.8 مليار نسمة .


العبارة التّقليدية التي دائماً ما نقرؤها أو نسمعها هي ( إنّ العالم قد أصبح قريةً صغيرة ) وذلك بفضل وسائل التّواصل الاجتماعي، التّكنولوجيا الّتي سهّلت التّواصل والاتصال بين مختلف الفئات العمريّة وغزتْ جميع مجالات الحياة ، الاجتماعيّة منها والاقتصاديّة والسّياسيّة والثّقافيّة والأدبيّة ، كما سهّلت عمليّة تبادل الآراء والأفكار وساهمتْ بانطلاقة ثورةٍ شاملة غيّرت كثيراً من العادات والتّقاليد الآسرة لحرّيّة الفرد والمقيّدة لحركة المجتمعات في التّطوّر والتحرّر والانعتاق .

وبرغم الأهميّة الكبيرة لوسائل التّواصل الاجتماعي ، تختلفُ الآراء ووجهات النّظر حولها ، فقد يراها البعض نعمةَ العصر ، في حين يراها البعض الآخر آفة العصر ، وكلّ الآراء تحملُ الصّحّةَ والصّواب إن تمَّ طرح الأسئلة حول هذه الوسائل، ومدى إمكانيّة الاستفادة منها واستغلال الجوانب الإيجابيّة فيها والتّقليل من أضرارها وجوانبها السلبيّة وكيفيّة جعلها تتماشى مع منظومة القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة والمجتمعيّة.


وأكثر من يستخدم وسائل التّواصل بجميع مسمّياتها من فيسبوك وواتس آب وأنستغرام وغيرها..... هم الفئات الشّابة ذكوراً وإناثاً وكذلك الأطفال والمراهقون وبدرجةٍ أقلّ الكبار في السنّ .

لكن ألهذه الوسائل التّأثير ذاتُه على جميع المجتمعات من جهة الاستخدام والتّأثر أم أنَّ ذلك يرتبطُ بحالة وعيِّ وثقافةِ مجتمعٍ ما دون الآخر ؟


undefined
المشكلة تكمن في المستخدمين لا في الوسائل

يبدو أنّ الاحتمال الثّاني هو الأقرب إلى المنطق ، فالمجتمعات في بلدان العالم الثّالث هي الأشدّ استخداماً لها والأكثر التصاقاً بها والأكثر إهداراً للوقت بسببها ، ولقد ترى وأنت في مدينةٍ ما الكثيرين وهم يحملون هواتفهم سواءً في الشّوارع أو الحدائق أو حتّى في أماكن العمل وعيونهم في شاشاتها منغمسين في عالمهم الافتراضي الذي يأخذُ جلّ اهتمامهم ووقتهم .


إنّ المجتمع الكرديّ ينتمي بدوره إلى قائمة المجتمعات المذكورة من ناحية الاستخدام العبثيّ وغير المدروس لوسائل التّواصل الاجتماعي بل ربّما زاد على غيره وتجاوز الحدّ المعقول الّذي يتلاءم مع نظام استخدام الأشياء، الباقون منهم في أوطانهم والمهاجرون منهم على السّواء .

فبرغم الإيجابيات العديدة لوسائل التّواصل والتي تتمثّل برفع السويّة الثّقافيّة للفرد والمجتمع من خلال الاطلاع على النّتاجات العلميّة والأدبيّة وكذلك تعزيز الإنتاجيّة العلميّة والمعرفيّة في جميع الجوانب الحياتيّة من سياسة واقتصاد وصحّة لكلّ من لديهم اهتمامات مشتركة، كما تُعتَبر هذه الوسائل بمجملها منصّة إعلاميّة تتيح لمستخدميها التّعبير عن آرائهم دون الاصطدام بأيّة عوائق أو قوانين قمعيّة تمنع عليهم حرّيتهم، أضف إلى ذلك دورها في تسهيل التّعرّف على المستخدمين أينما كانوا دون التّقيّد بالحدود الجغرافيّة، الأمر الّذي من شأنه كسر الحواجز الثّقافيّة والمساهمة في عمليّة الاندماج الثّقافي على المستويين الفرديّ والجمعيّ .


ولا يخفى أيضاً دور وسائل التّواصل الاجتماعيّ في تقليل نسبة البطالة ، فمن خلالها تتاح فرص عمل عن طريق نشر أصحاب الأعمال والشّركات والمحلّات التّجارية حاجتهم للموظّفين أو للعمّال، وتشير الدراسات إلى نسبة 60% من أرباب العمل يلجؤون إلى مواقع التّواصل الاجتماعي للبحث عن الموظّفين .


برغم جميع هذه المحاسن والإيجابيات إلّا أنّ المشكلة تكمن في المستخدمين لا في الوسائل ، ونحن نلاحظ ذلك بشكلٍ واضح من خلال المتابعة اليوميّة لكيفيّة الاستخدام ولا نعمّم وجهة النظر هذه.

وبالعودة إلى المجتمع الكرديّ وتحديداً ( الفئة الشّابة فيه) نرى أنّ نسبةً كبيرةً تبتعد عن الاستخدام الأمثل والاستفادة من الإيجابيّات المتاحة المذكورة آنفاً في هذه الوسائل ، وتقترب أكثر فأكثر للجوانب السلبيّة الّتي لا تتعدّى إملاء الفراغ واختلاق المشاكل ونشر ما يسيء إلى الذّوق العام ويستهدف منظومة القيم ، فإن تابعنا مثلاً موقع ( فيسبوك) وحضور الشّباب الكرد فيه لأدركنا الضّحالة الفكريّة والهشاشة الثّقافيّة والمعرفيّة لدى نسبةٍ لا بأس بها من المستخدمين.


undefined
الاتجاه السّائد لدى غالبية المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي من الشباب الكرد يساهم بشكلٍ كبير في تشويه الثقافة والتّاريخ والإساءة إلى القيم والمُثل الكردية

لو تناولنا الجانب الاجتماعي في الموقع المذكور لوجدنا حالةً مرضيّة شائعة تتجلّى في الاعتداء على خصوصيات النّاس لجهة نشر صورهم ومناسباتهم على الصفحات والمجموعات المشتركة لينطلق مع هذا النشر الكمّ الهائل من التعليقات الساقطة المستفزّة الموبوءة بالشتائم والإهانات والسّخرية وقد تكون المناسبة عرساً قديماً مرّتْ عليه الأعوام ومات فيه مَن ماتْ .


عدا عن البوستات القصيرة التّافهة الخالية من أيّة فكرة أو مضمون والنكات الخارجة عن حدود اللباقة ، والأسئلة والاستبيانات الفارغة ، وغير ذلك مما ينتهك معايير وضوابط المجتمع ، ولعلّ مصيبة البثّات المباشرة والتي أصبحت عمل من لا عمل له لوحدها كافية بأن تجعل الإنسان يشعر بحالة من الاشمئزاز والسّخط تصل به مهما كان هادئاً رزيناً وقوراً إلى الدخول في خانة اللاعنين الشاتمين.


ولو عرّجنا على الجانب السياسيّ في الفضاء الأزرق لهذه الفئة موضوع الحديث لرأينا ضيق الأفق والتعصّب الأعمى لهذا الحزب أو ذاك والانحسار الفكري الذي يقود بالنتيجة إلى تبادل الاتهامات والإهانات والشتائم وتخوين كل شخص للآخر وكل اتجاه حزبي لآخر مما يزيد من حالة التشرذم والشقاق وينال من حتمية التآلف الطبيعي لأي شعب يرزح تحت العبوديّة ويناضل للخلاص منها.


وربّما لا نبالغُ إن قلنا إنّ الاتجاه السّائد لدى غالبية المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي من الشباب الكرد يساهم بشكلٍ كبير في تشويه الثقافة والتّاريخ والإساءة إلى القيم والمُثل الكردية ولا بدَّ لعلاج هذه الحالة وهذا الواقع البائس من اتخاذ خطوات جديّة من قبل المثقّفين الكرد والعاملين في الحقلين السياسي والاجتماعي تتمثل في توعية الجيل الشّاب لمخاطر سوء استخدام وسائل التّواصل الاجتماعي وإرشاده للاستخدام النفعي الأمثل لها عن طريق حضور هؤلاء إعلامياً أو على هذه الوسائل ذاتها أو على الأقل الكتابة عن مشاكل الشباب والبحث عن سبل حلّها وعلاجها.