مـن الذّاكـرة: نشـاطـات الطـلبـة الكُـرد في جامعـة حلـب

مـن الذّاكـرة: نشـاطـات الطـلبـة الكُـرد في جامعـة حلـب

كانت الحركة الطلابية الكردية في جامعة حلب ولازالت نشيطة جدّاً بخلاف بقية الجامعات السورية، لأسباب عدّة، منها الموقع الوسط لمدینة حلب في الخارطة السورية، ووجود نسبة كبيرة من الكورد في مركـز المدينة نفسها التي قـد يتجاوز عددهم نصف مليون نسمة فيتركّز معظمهم في أحياء عدّة منها الأشرفية والشيخ المقصود الغربي والشرقي والسريان والميدان وأحياء متفرقة في حلب، وكذلك قرب مدينة عفرين الكوردية التي كانت تتبع إداريا لمحافظة حلب، لذلك أصبحت جامعة حلب منذ منتصف القرن الماضي مركزاً ثقافياً لاحتضان الكرد من كل المناطق الكردية والسّورية، فكانت بذلك ملتقىً للتواصُل والتّلاقي الفكري والثقافي والسياسي، ونقطة للتواصل والاحتكاك مع الحركة الثقافية في الداخل السوري، وكانت للطلبة الكرد نشاطات متنوّعة في مختلف المجالات منها الثقافية والاجتماعية، وكان البعض من هذه النشاطات تمارس بشكل سرّي بعيداً عن أعين السلطات الأمنية وخاصة الثقافية والسياسية، أمّا النشاطات الترفيهية كالرحلات والرياضة فقد كسرت ذلك الحاجز حتّى أنّ السلطات الأمنية كانت تحاول أن تغضّ النظر عنها فأصبحت بمثابة تقليد سنويّ تُقام في أوقات وفصول معيّنة.


undefined


لذلك حاولت أن أعرض في هذا المقال أبرز هذه النشاطات التي لازالت ذاكرتي تحتفظ بها خلال دراستي الجامعية ووجودي في مدينة حلب بين أعوام 1999 - 2003:

  • حفـلات التعـارُف: وهي كانت عبـارة عن نشـاط تعارفي وخطوة أولى لفتح المجال للتعارُف بين الطلبة الكورد في الجامعئة في بداية كـلّ عام دراسي، وخاصّة الطلاب الجُدد ( السنة الأولى) الذين كانوا يلتحقون بالجامعة وذلك ليتعرفوا على أقرانهم، أو ربّما قد يحتاجون دراسياً أو خدمياُ من الطّلاب القدامى الذين سبقهم، وأصبحت تقليداً سنوياً تقريباً، يتخلّلها نشاط ترفيهي على شكل برنامج يوضع من قبل المنظّمين الذين كانوا من الحزبيين غالبا أو المستقلين، وغالباً يكون على الشكل التالي ( نشيد ey reqîb- تعريف كلّ طالب بنفسه - أغاني- قراءة الأشعار- دبكات- مسابقات- تكريم الأوائل في الفرعين العلمي والأدبي..إلخ)، كانت هذه الحفلات تعقد غالباً في أحضان الطبيعة أو في الصالات أو في صالون كبير حسب ظروف الجهة المنظمة لها، لكن الاهمّ كانت هذه الحفلات انطلاقة للتعارف بين الطلبة الكورد من مختلف المناطق الكوردية وخاصّة( الجزيرة، عفرين، كوباني ، والداخل السوري)، وما يرافق ذلك من شعور الكوردي وإحساسه بوجوده واللقاء مع اشخاص تجمعهم الهمّ والمصير والقضية معا، فكانت هذه الحفلات خطوة مهمّة للتلاقي والتواصل بين الكورد في سورية.


undefined


  • الرّحلات الجامعية: كانت من أهمّ نشاطات الطلبة الكورد في الجامعات وخاصة حلب، وكانت تشرف عليها غالباّ الأحزاب من خلال توزيع "كروت الدعوة" على الطلاب الراغبين، طبعاً من دون تحديد وجهة الرحلة، يتمّ تقرير ذلك من قبل المشرفين أو المنظمين بشكل سريّ، فيتمّ استئجار باصات أو بولمانات للسفرة، وغالباً كانت الوجهة هي طبيعة عفرين الجميلة وأماكنها الأثرية وينابيع مياهها، كونها كانت اقرب منطقة كوردية إلى حلب فكانت في نفس الوقت فرصة للطلبة من الجزيرة وكوباني للتعرف على جمالها وأماكنها الأثرية والسياحية، فيجهّز الطلاب أمتعتهم واحتياجاتهم قبلها بيوم بشكل إفرادي أو على شكل كروبات صغيرة، تنطلق بهم وسائل النقل في الصباح الباكر، وقد تتعرّض القافلة للحواجز الأمنية وتتم عرقلة مسيرها وتفتيشها، وحجز شهادة أو هوية(جنسية) سائق السيارة، وقد تطلب أسماء الأشخاص المنظّمين للرحلة، وكانت لهذه الرحلات برنامج يوضع من قبل المنظّمين، ويتم فيها دعوة مطربين كبار من مختلف مناطق كوردستان سورية وكذلك مشاركة مغنين من طلاب الجامعة، والأجمل كانت اغلبها تبدأ بالنشيد الوظني الكوردي Ey reqîb  في الافتتاحية، ومن ثمّ يبدأ القائمون عليها بتقديم برنامجهم، فتتقوّى خلالها روابط التلاقي والتواصل بين الطلبة الكورد أكثر فأكثر ويتمّ فيها التعرُّف على المواهب والإبداعات، والأشخاص المتميّزين والمتفوّقين في اختصاصاتهم وكلياتهم، والتعرّف على عادات وتقاليد وأعراف كلّ منطقة كوردية وأنواع الدبكات والاغاني الفلكلورية والمطربين الكورد في مختلف مناطق كوردستان سورية، طبعاً المضايقات الامنية كانت على الدوام ترافق هذه الرحلات، لكنّها بقيت مستمرّة ولم تستطع الجهات الأمنية إيقافها فأصبحت كغيرها من النشاطات تقليداً سنوياً للترفيه والخروج إلى أحضان الطبيعة، فتمتزج تلك المشاعر القومية الفيّاضة مع عناصر الطبيعة التي كانت تشكل معاً لوحة فريدة لتوق وجنوح الإنسان الكردي نحو التحرّر والانعتاق.


undefined


  • الأسبوع الثقافي: كان يمتد على مدار أسبوع كامل، على شكل ندوات ثقافية يقدم المحاضر فيها موضوعاً محدداً أو بحثاً أو دراسة في مجال ما، كانت تعقد هذه الندوات غالباً في بيوت أعضاء الأحزاب أو صالونات صغيرة، بعيداً عن أعين الأجهزة الأمنية، تتمً دعوة الطلاب بشكل سريّ من خلال تحديد أماكن أو نقاط اللقاء، فيتمّ نقلهم إلى مكان الندوة أو المحاضرة بشكل فردي أو مجموعات صغيرة، يتمّ التحضير له في فصل الربيع، تعود الفكرة في البداية إلى حزب الوحدة الأمّ، ومن ثمّ أصبح فيما بعد تقليداً سنوياً، قامت به أحزاب كوردية أخرى، لكن محاولات المستقلين كانت ضعيفة في هذا الجانب، ولا بدّ من الإشارة أن برنامج هذه الأسبوع كان يتوزّع على الأغلب على الشكل التالي: محاضرة تاريخيّة - ندوة سياسيّة- أمسية أدبيّة شعريّة أو قصصيّة- محاضرة عن اللغة الكوردية- عن الصحافة الكوردية- عن الثورات والشخصيات الكوردية.... إلخ. كانت تكثر أثناءها المناقشات والمداخلات القيّمة، ويتمّ تبادل الأفكار والرؤى والمعلومات والتعرّف على المثقّفين والكُتّاب الكورد من مختلف المناطق الكوردية في سورية في وقت لم تكن وسائل التواصل موجودة كما اليوم، ولم تكن هناك الانترنت ولا وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر والفايبر وغيرها، إنّها حقّاً لحظات نضالية تستحقّ كلّ الاحترام والتقدير.وكذلك ضمن هذا المجال أو السياق ولكن خارج هذه الأمداء، حريٌّ بنا أن نشير بأنّ الحركة الكوردية بأحزابها كانت تعقد بين فترة وأخرى ندوات سياسية على مستوى القيادات الأولى، وتحضرها الطلبة الكورد باختلاف توجُّهاتهم وأحزابهم وانتماءاتهم السياسية، ويتمّ خلالها شرح سياسة الحزب ودوره في التطوّرات الاجتماعيّة والسياسيّة، وكذلك يتمّ التطرّق إلى الوضع الإقليمي والدولي. 
  • دورات لتعليم لغة الأم الكوردية: وهي كانت نشاطاً مستمرّاً تقوم به شخصيات حزبية أو مستقلة، كان يتمّ بشكل سريٍّ وضمن حلقات محدودة العدد خوفاً من الاعتقال أو سطوة الأجهزة الأمنية، فكما هو معلوم كان قد يعرّض من يلقي القبض عليه بتهمة تدريس وتعليم اللغة الكوردية سنوات للسجن، ناهيك من يحمل كتاباً باللغة الكوردية، فكانت مرحلة عصيبة في تاريخ العمل السياسي، ويتمّ في هذه الدورات تعليم الطلبة الأحرف والكتابة والقراءة وإحياناّ قواعد اللغة، فتمّ بذلك تخريج الآلاف من الطلبة الكورد بهذا الشكل فمنهم من هم أدباء وكتاب كبار ومثقفون اليوم، والأهمّ أنّ من كان يتخرج أو يتعلم في تلك الدورات كان ينقل خبرته إلى قريته أو منطقته ويعلّم من حوله، وبذلك تمّ الحفاظ على اللغة الكوردية وحمايتها من التعتيم والضياع.


ومن الناحية الثقافية لا بد من الإشارة ايضا بأنّ جريدة طلابية باسم (SIBA) كانت تصدرها الطلبة الكورد في جامعة حلب بشكلٍّ دوريّ، تهتم بشؤون الطلبة وكتاباتهم ونشاطاتهم، وكان لها صدى كبيراً بين الطلبة كونها كانت تهتمّ بنشاطاتهم، فكانت الوحيدة على مستوى كل جامعة حلب، وهذا ما دفع فيما بعد بالاتحاد الوطني لطلبة سورية إلى إصدار جريد باللغة العربية باسم (الغد) فقد جاء للمصادفة ترجمة لاسم الجريدة الكوردية (siba)، وهذا ليس غريبا إذا ما سلّمنا بأنّه في دولة البعث كان يتم تعريب الحجر والشجر.


undefined


الدّوري الرياضي: فقد كان الطلبة الكرد في شهر آذار وبعد الانتهاء من الفصل الدّراسيّ الأوّل يقومون بتشكيل مجموعة من الفرق الرياضية فيما بينهم باسم كلياتهم غالباً أو أسماء أخرى يختارونها، وفي نهاية الدّوري كان يتمّ تكريم الفريق الفائز، فكانوا متميّزون في إدارة الدّوري من خلال تشكيل لجنة تشرف عليه.


undefined


وجدير بالذكر بأنني لم أتطرّق إلى النشاط السياسي لكنّه كان نشطاً وفعّالاً وبشكل سرّيّ من قبل أعضاء الأحزاب ضمن الجامعة فكانت النقاشات البينيّة تجري بين الطلبة الكرد من مختلف الأحزاب والتيارات، وعلاوة على ذلك كانت هناك نشاطات أخرى، كحفلات تكريم المتفوقين والمتخرجين، أو أمسيات شعرية مستمرّة، أو المشاركة في مؤتمرات الطلبة التابعة لاتحاد الوطني لطلبة سورية والتي كانت فرصة للطلبة الكرد ليعرضوا فيها قضيتهم وتعريفها بشركائهم السوريين.