التناقض في أحاديث بشار الأسد حول الكُرد وقضيتهم يعكس أزمته النفسية وشوفينيته المقيتة.

التناقض في أحاديث بشار الأسد حول الكُرد وقضيتهم يعكس أزمته النفسية وشوفينيته المقيتة.

ظلّت النزعة الشوفينية والعنصرية تلازم رأس الحكم في سوريا بشار الأسد منذ وفاة والده حافظ عام 2000 وتسلّمه السلطة خلفاً له بطريقة أشبه بمسرحية، لذلك فبدلاً من أن يقرأ تحدّيات المرحلة ومعطیات الواقع الجديد قراءة واقعية ويستفید من نتائج ثورات الربيع العربي في كلّ من تونس ولیبیا ومصر والمنطقة بشكل عام للقیام بإصلاحات سريعة وجدّية لیواكب احتياجات الواقع الجديد فإنّه لازال یتعامل مع الواقع والتطوّرات الحاصلة بعقلية قديمة متوحشة من خلال سياسة القمع والإقصاء واستخدام القوّة ونفي الآخر المختلف، فنجده يطلّ علینا بین الفینة والأخری ليكرّر نفس الأسطوانة المشروخة بخطاباته المنفصلة عن الواقع والحقیقة وذلك في اختصار كلّ مكوّنات المجتمع السوري في العروبة، بشار الأسد المشكوك في أصول جدّه العربيّة يحاول أن يزاود حتّی علی العرب الأصلاء في نسبهم وأصلهم وتاريخهم، بل لا يخلو خطاب من خطاباته في تلقین العرب دروساً في القومية العربیة، بالتأكيد لا غرابة في ذلك لسببین:

  • الأوّل: هو عقدة النقص والدونية التي بقیت تلازمه كهاجس فيحاول من خلال الإيغال في التمسّك بالعروبة أن يبرهن للآخرين آصالة عائلته وأصوله العربية وهذا ليس بمستغرب علی بشار وعائلته بل هو حال كلّ المستعربين الذين ما إن نسوا تاريخهم وتبنوا العربية هوية لهم حتّی تطرّفوا في ذلك وأصبحوا عروبیین أكثر من العرب الأصلاء نفسهم بل في بعض الأحایین تجد الأصلاء في مرمی تهجُّمهم ومزاوداتهم.
  • والثاني: العروبة تعني بالنسبة له الوجود لأنه یستمدّ وجوده منها ویتستّر بغطائها فمن نسي أو هجَر هويته متبنّياً هوية الآخرين يحاول بشتّى الوسائل أن يثبت على الدوام بأنّه أهلُُ لها. فتارةً تجده في موقع الحامي والمدافع عنها، وتارة تجده يتهجّم على الآخرين كلّ ذلك يعكس الأزمة التي يعيشها الشخص والحالة النفسيّة المزرية التي تلازم كينونته على الدوام.


لذلك، لا غرابة من التصریحات المتناقضة التي یدلي بها بشار الأسد في كلّ مرّة في خطاباته بشأن القضية الكوردية منذ أن سطا علی الحكم في سوریا بعد وفاة والده حافظ بطريقة مخالفة للدستور فتمّ تعدیل الدستور حینئذِِ لیكون علی مقاسه، فهذه التصرفات والسلوكیات هي حال الإنسان المأزوم نفسیاً الذي يتشكّل لديه تصوّرات خاصّة به فيقول ما یحلو له من كلام في كلّ مرّة، فمن أجرم بحقّ الشعب السوري ولا یزال مستمرّاً في إجرامه من السهل علیه أن یتحدّث ما یحلو له مادام الكلام والحديث لا یستند إلی الحجج وحقائق التاريخ والجغرافية ولا يستند إلی الحكمة والمنطق الذي هو في الأساس بعید عنها كلّ البعد، فما أدلی به من تصریحات منذ سطوته علی الحكم فيما یتعلّق بالكورد وقضیتهم تتلخّص في أنه ینظر إلی قضايا التاريخ والجغرافية بمزاجية وهذا حال الٳنسان الذي يعاني من انفصام وشرخ مرضي، ولا يستبعد أن یكون هذا الشخص معتلّاً نفسياً، ففي هذه الحال وجوده في رأس الحكم يشكّل خطراً علی الجميع.


undefined
حاملو الجواز السوري في الشمال السوري

التناقض في أحاديثه وخطاباته فيما یتعلّق بالكُرد

تشكّل القضية الكوردية منذ بدايات تشكيل الدولة السورية على أنقاض السلطنة العثمانية الهاجس الأول والأخير لدى الشوفينيين في سوريا، فحاولوا على الدوام إنهاءها والقضاء عليها، لذلك فمنذ اعتلاء حزب البعث على سدّة الحكم في سوريا عام 1963 وإلى اليوم ينكرون وجود الشعب الكوردي وقضيته العادلة، فطبّقوا بحقّه إجراءات ومشاريع شوفينية كالتجريد من الجنسية، والحزام العربي الذي يعتبر أخطر مشروع يهدّد الوجود الكوردي على أرضه التاريخیة، وحرمان الكوردي من الوظائف والمناصب العليا في الدولة، وتعريب أسماء القرى والمدن والمعالم التاريخية فبقي الكوردي مواطناً من الدرجة الأخيرة، لذلك فكل أحاديث بشار الأسد حول القضية الكردية والتناقضات الموجودة فيها والشوفينية التي تفوح منها ليست بمستغربة فهو الابن الشرعي لمدرسة البعث التي تعمل منذ تأسيسها على اختصار هوية سوريا في العروبة فقط، لذلك يمكننا القول بإنّ الهوية الوطنية السورية الحقيقية لم تتشكّل يوماً ما منذ تشكيل سوريا كدولة، فبقيت علی الدوام أسيرة الأفكار الشوفينية المنغلقة التي ترفض الانفتاح على الآخر المختلف وتصرّ علی عدم الاعتراف به، هذه الأفكار البائسة هي التي أوصلت سوريا إلى هذا الواقع المأساوي والكارثة المستمرّة منذ أكثر من عشر سنوات، ففي أيار 2004 إبان انتفاضة آذار المجیدة وفي سياق مقابلة تلفزیونية مع قناة الجزیرة قال بشّار الأسد: "إنّ القوميّة الكُردية تشكل جزءاً من النسيج السوري الوطني ومن التاريخ السوري".


ويُعدّ هذا أوّل اعتراف رسمي حكومي بالشعب الكردي وقد جاء نتيجة للضغط الشعبي والانتفاضة الجماهيرة التي هزّت أركان الحكم في دمشق، فبدأت الشرارة في القامشلي وامتدت من دیريك إلی عفرین وحلب ودمشق، وشكّلت مفاجأة للنظام وأجهزته الأمنية فاضطرّ رأس الحكم في سورية حینها ولأول مرة في تاريخها أن يذكر الكورد بالاسم والحديث بشكل إيجابي عن الكُرد فتفاءل الكُرد خیراً بحديثه، وفي مقابلة له مع الإخبارية السورية قبل سنوات قال: "أكرّر ما أقوله دائماً، الأكراد هم جزء طبيعي وأساسي من النسيج السوري، وهم موجودون في هذه المنطقة منذ قرون عديدة وبعيدة كالعرب، وكالأتراك، وكالفرس وكالآخرين، هم موجودون في هذه المنطقة ولیسوا ضيوفاً ولا طارئین، معظم الأكراد في سوريا هم وطنيون سوريون"، أيضاً كان هذا الحديث موضع تفاؤل للكُرد، لكن وبعد الثورة الشعبية التي بدأت شرارتها عام 2011 وانضمام الكُرد إليها كمعارضين بدأ بشّار الأسد یتهجّم علی الكُرد ويناقض تماماً ما صرح به في الماضي عن الكُرد ووجودهم ففي آذار 2020 وقي حديث له مع قناة روسيا 24 قال:" فالكُرد جاؤوا من تركيا ولا يوجد شيء اسمه القضية الكُردية في سوريا، ما تسمّی بالقضية الكُردية عنوان غیر صحیح، عبارة عن عنوان وهمي وكاذب"،ففي هذا اللقاء ناقضَ بشار ما قاله قبل سنوات وهذا يؤكد بأنّه ینظر لحقوق الشعوب بنظرة شوفينية مقیتة، فشعب عريق كالشعب الكوردي الذي یناهز تعداده أكثر من أربعة ملايين الیوم في سوريا ناطقين بلغتهم علی أرض آبائهم وأجدادهم ناهيك عن الذين استعربوا في الداخل السوري لازال بشار الأسد وأمثاله من الشوفینیبن یحاولون تشويه تاريخه وإنكار وجوده، فكل البعثات الأثرية التي أجرت دراسات في كوردستان سوريا أكّدت بأنّها كانت موطناً لحضارات قديمة كالمیتانیة والهورية وهم أجداد للكُرد، ويأتي شخص مفلس كبشار الأسد الذي نهل ثقافته من منابع الشوفینیين والحاقدین لیتحدّث لنا عن الوجود الكُردي في سوريا، ومتی كانت سوريا دولة عربية أصلاً حتی ينفي بشار وأمثاله العنصریین التاريخ والوجود الكردي فیها؟ فسوريا تاريحیاً هي دولة مستعربة استوطن العنصر العربي فيها مع بداية ما تسمّی الفتوحات الإسلامية حيث وصل العرب إلی مناطق كوردستان سوريا مع عیاض بن الغنم الذي غزا المنطقة باسم الإسلام فتقبّل الشعب الكُردي الدين الجديد ودخلوا في الإسلام، لذلك فالبعض من القبائل العربية الموجودة حالیاً قد جاءت إلی المنطقة مع بداية تلك الفتوحات والبعض الآخر فيما بعد، ناهيك عن المشاريع الاستيطانية الحديثة كالحزام العربي وغیره، وهكذا تمّت عمليةّ تعریب سوريا وشعوبها وحضاراتها ومعالمها باسم الإسلام، لكن علی الرُّغم من الإجراءات الشوفينية التي طبّقت بحقّ الشعب الكوردي وخاصة طیلة القرن الماضي بقي الإنسان الكوردي متشبّثاً بهويته ولغته وتاريخه بخلاف الكثير من الأقوام الأخری التي لم تستطع مقاومة التعريب فانصهرت في بوتقة العروبة واستعربت، وكذلك قبل أيام أدلی بشار الأسد في خطابه بمناسبة توليه الرئاسة الجديدة بحديث وإن كان یقصد منه بعض من الكُرد بقوله: " حاملو الجواز السوري في الشمال السوري" لكنّه في العمق يهدف النيل من القضية الكردية وربطها دائماً بالأوضاع الاستثنائية وتقزيمها ونعتها بأنّها حالة طارئة ودخيلة، وهو یدرك جيّدا ما يقوله، وكيف لا؟ وهو سلیل مدرسة البعث التي تخرّج من صفوفها مئات الشوفينين والعنصريين الذين ينكرون وجود الآخر ولا سيّما إذا كان الآخر كُردياً ويطالب بحقوقه المشروعة التي حرّم منها ولم يتمتّع بها أسوة بالآخرين من الشعوب التي تجاوره وخضع لمنطقة القوّة منذ قرابة قرن من الزمن فتمّ إلحاق وطنه بعدد من الدول في المنطقة ومنها سوريا الیوم.


undefined


ماذا نستنتج من أحاديث بشار الأسد؟

إنّ السياسة التي یتبعها رأس النظام في دمشق تجاه الشعب الكورد خاصّة وباقي مكوّنات سوريا القومية من خلال التهجّم عليها تارة والتقلیل من شأنها ووجودها تارة أخری من خلال جعل العروبة حضارة في أحاديثه وباقي التكوينات هي ثقافات، فهذه السياسة هي ذاتها التي مارسها وعمل علی ترسيخها هذا النطام منذ توليه الحكم في سوريا منذ أكثر من خمسين عاماً، لذلك فيمكننا أن نصل إلی بعض الاستنتاجات من خلال قراءة تلك الأحاديث وأبرز دلالالتها:

  • إصراره علی عدم الاعتراف بالهويات الأصيلة في سوريا، واختصار كلّ تلك الهويات المكوّنة للمجتمع السورية في بوتقة العروبة والإسلام.
  • استمراره في عدم الاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكوردي في سوريا، فهو یدرك جیّداً بأنّ الكورد هم شعب ويشكلّون نسبة عددية من سكّان سوريا ولهم امتداد جغرافي وعمق كوردستاني، فإذا ما حصلوا علی اعتراف دولي فسيشكّلون رقماً قوياً في معادلة المنطقة وهذا ما يؤرّقه وكذلك الكثير من الشوفینیین أمثاله.
  • العروبة تشكّل بالنسبة له الوجود، لذلك سيحاول بشتّی الوسائل التمسّك بها والدفاع عنها، فلا سبیل آخر أمامه للاستمرار في الحكم سوی التشبّث بها وهي سياسة عملت وتعمل باستمرار علی تمزيق المجتمع السوري وخلق المزيد من الفتن والتفرقة فيه.
  • تألیب الرأي العام السوري وتحريضه ضدّ الكورد فیصوّر الكورد كغرباء تارة، وتارة ینعتهم بالانفصالیین، وتارة ثانية بالجیّدين وغیر الجيّدين وتارة بالانفصالیین، وأخری بالإرهابيين، وكذلك ضيوف في المنطقة یحاولون سرقة أرض العروبة، الهدف من هذه السياسة واضح وهو تحريض الجميع ضدّ الجميع عبر استخدام مؤسّسة الرئاسة لبث سمومه.


في النهاية لا بدّ من القول إنّ وجود شخص كـبشار الأسد علی رأس السلطة في السورية یشكّل خطراً علی حاضرها ومستقبلها، فهو شخص معتلّ يعاني من عقد نفسية لا يصلح أن يقود بلداً مركّباً كسورية متعدّد القوميات والأديان، فعلی الرّغم من مرور أكثر من عشر سنوات علی الأزمة السورية لا زال بشار الأسد مصرّا علی اختصار هوية سوريا في العروبة وجعلها في نفس الوقت حضارة لكلّ السوريین فإنّ دلّ هذا علی شيء فإنّما يدلّ علی إصراره علی تكريس النزعة الشوفينية الإقصائية التي قادت البلاد علی ما هي علیه الیوم من وضع مأساوي حيث القتل والدمار في كلّ مكان، والحلّ يكمن في وضع دستور جديد وعصري للبلاد یعترف بحقوق كلّ تكوینات المجتمع السوري، وإبعاده ومحاكمته وبناء سورية ديمقراطیة لا مركزية تضمّن حقوق جميع القوميات والأديان من دون تفرقة وتمییز تحت شعار سوريا لجميع مكوّناتها علی مختلف تسمياتهم ومشاربهم من دون تعصّب وإقصاء.