الإعلام الكُـردي الحالي بین التشويه والدور المأمول منه للارتقاء إلی مستوی القضية

الإعلام الكُـردي الحالي بین التشويه والدور المأمول منه للارتقاء إلی مستوی القضية

لا يخفى على أحد، ما للإعلام بمختلف وسائله وأنواعه المرئية والمسموعة والمقروءة من دور في إحداث تحولات جمّـة في حياة المجتمعات البشرية، تجاوزت في بعض جوانبها المتوقّع، فتخطّت كلّ الخطوط الحمراء والخضراء والصفراء، وأصبحت توءماً لمسيرة الحياة الإنسانية في بنيتها المتحوّلة، لا بل ربّما تخطت هذا الدور وأصبحت هذه الوسائل الموجّه الأوّل لتفكير الإنسان، وسلوكه وتصرُّفاته، اجتاحت عوالمه الشخصية الداخلية، وأصبحت المحرّك الأساسي لكل خطواته وقراراته، فعلى الرّغم ممّا لعبته هذه الوسائل من دور إيجابي يتلخّص في توفير جهد كبير للإنسان في مختلف المجالات، لكنّ الأمر ليس بهذا القدر من البساطة فيما أشرت، ففي جانب أخر قد تكون هذه الوسائل مصيدة للإساءة، يتمّ استغلالها بشكل سلبي مدروس للاصطياد في الماء العكر، ما دفعني إلى هذا الكلام هو العراك الإعلامي الذي تخوضه ثلة من الأشخاص الإعلامیین علی الساحة الإعلامية الكوردية الیوم عن قصد باستمرار لتشويه الأحداث والأخبار والحقائق بهدف تكوين رأي عام معيّن وذلك لتحقیق أهداف شخصیة بحتة، فلا يهمّهم مشاعر الناس والاستخفاف بعقولهم، ولا يهمّهم الحقیقة فيظهرون الحقائق خلافاً للواقع، ويروّجونها ويوجّهونها بما تقتضي مصالحهم ومصالح مموليهم، فيخفون عن الناس خلفية القضايا وملابساتها، وما أكثر الأخبار المشوّهة التي تنشر في كلّ لحظة علی وسائل التواصل الاجتماعي حتّی وصل الأمر بالبعض إلی عرض نفس الخبر بروایتین مختلفتین، وبما أنّ حدیثنا عن الإعلام الكوردي والشخصیة الكردية ومن خلال متابعة سريعة للوسائل الإعلامية الكوردية نلاحظ كمية الحقد والكره والغلّ التي تبثّه هذه الوسائل تجاه الخصم السیاسي الآخر قد تفوق عشرات المرّات ما تبثّه تجاه العدو الحقيقي وهذا هو الخطر بعینه فیزید الشرخ والانقسام بین أبناء الشعب الواحد من كلّ النواحي وبالأخصّ الاجتماعیة والنسيج المجتمعي ككلّ والمستفید الوحید هم المحتلّون ومن یلفّ لفهم من الذين یتلاقی أهدافهم مع أهداف المحتلین في إذلال شعبنا والتعتیم علی قضیته العادلة وبالتالي إدامة مظلومیتها، للأسف لم یتوقّف الأمر عند هذا الحدّ بل دفع بالبعض من إعلامي الخصمین السیاسیین حتّی إلی تزویر البيانات وتنسیبها إلی الخصم أو حتّی اللعب بمفرداتها فنسبت إلى شخصيات أو جهات سياسية ومن مختلف التوجهات الفكرية ( المجلس، الإدارة، الأحزاب الأخرى..إلخ) أو فيديوهات تركيبة أو لقطات فوتوشوبية بهدف النيل منها، للأسف من يقوم بهذه التصرّفات اللاأخلاقية سواء عن دراية أو عدم دراية فإنّهم يخدمون بشكل أو بآخر الأعداء، فليس هناك أسوء من الذي يتلاعب بكرامة الناس وشرفهم من أجل مصلحته الحزبية أو الشخصية أو لغایات نكدية ضيّقة بهدف النيل من الآخر المختلف.


فعلی الجميع أن يدرك أنّ التنافُس السیاسي حقّ مشروع لكل طرف ضمنّ حدود معیّنة بشرط ألّا يؤثر علی الأهداف الاستراتیجیة لشعبنا، أمّا المعارك الجانبیة وخاصة الحرب الإعلامية الشعواء التي تشوّه القضية فهي لا تخدم أحداً سوی أعداء شعبنا الذین ما إن تحین لهم الفرصة إلّا ویسعون بشتّی الوسائل لتأجیج الخلافات الكوردية بهدف إنهاء قضیتنا والنيل من مكتسبات شعبنا وطموحاته. فالواجب الوطني والقومي الیوم یتحتّم علینا جمیعاً أن نكون علی دراية تامّة بمصلحة شعبنا وحقوقه وأن نكون متیقظین بما یحاك ضدّه من مؤمرات، وأن نكون علی قدر المسؤولیة التاريخیة الملقاة علی عاتقنا تجاهه.

فما يحدث اليوم للأسف من تشويه إعلامي مقصود وممول بشكل مباشر أو غير مباشر من مطابيخ المحتلّين لكوردستان بحقّ الشخصية الكوردية خطير جدّاً، إنّه تشويه مدروس هدفه تشويه هذه الشخصية وإنهائها
undefined


تشويه الشخصية الكُردية بشكل متعمّد وأحياناً عن جهل

الشخصية الكُردية في مسيرة نموّها وتطوّرها كغيرها من الشخصيات ترتكز على بنيتين أساسيتين، هما:

  • البنية الثابتة: وتعني الشخصية الكردية في تكوينها البدائي قبل أن تتبلور وتكتسب مع الزمن القيم والمفاهيم المعرفية والفلسفية والجمالية والأخلاقية.
  • البنية المتحوّلة: مجموعة التغييرات والتحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي طرأت وتطرأ على هذه الشخصية خلال المراحل التاريخية وحتّى اليوم.


فما يحدث اليوم للأسف من تشويه إعلامي مقصود وممول بشكل مباشر أو غير مباشر من مطابيخ المحتلّين لكوردستان بحقّ الشخصية الكوردية خطير جدّاً، إنّه تشويه مدروس هدفه تشويه هذه الشخصية وإنهائها، في ظل عدم وجود مؤسسات توثيقية كوردية بالمستوى المطلوب تحمل على عاتقها مهمة الدفاع عن الشخصية الكوردية وحمايتها من براثن وحملات التشويه التي تطال حتى المقدّسات الكوردية: كتشويه سمعة المقاتلين الكورد، تشويه العلم الكوردستاني، تشويه سمعة المقاتلات الكورديات، إثارة النعرات الطائفية الدينية وتحريضها، تشويه سمعة رموز النضال الكوردي، تشويه تاريخ المناضلين الكورد الراحلين..إلخ.


وقد برز في الفترة الأخيرة بعض الشخصيات التي تعتبر نفسها ضمن الحقل الثقافي الكوردي "إظهار بعض البدع" بتخوين بعض رموز نضال الكرد التاريخيين الذين رحلوا منذ مئات السنين، أو تغيير بعض تواريخ الأحداث واللعب بها بدافع (إنّ ما كتب كان غلطاً والصّحّ يكمن عنده)، وكذلك هناك من يكتب تاريخ مدينة كوردية بالتواريخ والإحصائيات قديماً وحديثاً ولا يملك في كلّ مسيرة حياته مقالاً تاريخياً ولم يزر المدينة قطّ، للأسف كلّ ذلك يجري أمام أعين الكورد وللأسف بأيادِِ كوردية في أغلب الأحایین، فبعضهم عن قصد وبعضهم عن غير قصد، ويحصل هذا للأسف، في ظل عدم وجود مراكز ثقافية ومؤسسات توثيقية تحمي تاريخ الكورد وثقافتهم من التشويه والضياع والاندثار.

undefined
هذه الأصوات النشازة تقوى أكثر فأكثر عندما تكثر الیوم الأحاديث عن احتمالية تقارب كوردي داخلي أو حصول الكورد على مكسب معيّن

الدور السلبي لبعض الوسائل الإعلاميّة الكُـردية في التشويه والإساءة لقضية شعبنا

من دون أن أسمّي هذه الوسائل بمسمّیاتها، فالبعض منها باتت تلعب دوراً سلبیاً في تقديم الخدمة المجانية لأعداء شعبنا الكوردي، للأسف هي محسوبة على الكورد بغض النظر عن توجّهاتها الفكررية لكنها ومن أجل تكوين رأي عام معيّن فإنها مستعدة لتشويه الأحداث وتصميمها بما يخدم أجندتها الضيقة وتضليل الناس، فقط لتحقيق مصلحة حزبية أو شخصية معيّنة بعيدة كلّ البعد عن مصالح الشعب وقضيته، فهذه تعتبر جريمة واستخفاف بعقول الناس ومشاعرهم، وللأسف هذه الأصوات النشازة تقوى أكثر فأكثر عندما تكثر الیوم الأحاديث عن احتمالية تقارب كوردي داخلي أو حصول الكورد على مكسب معيّن، فمن هنا لايوجد أدنى شك بأنّ هناك أيادياً خفية تحرك هؤلاء وتوجّههم من أجل إفشال كلّ الجهود الخيرة والنبيلة التي تهدف إلى الدفع بالقضية الكوردية إلى الأمام. فهناك من بين هؤلاء من هو مستفيد من ذلك، وهناك من ينفذ ما يملي عليه من قبل مموليه، فمحتلو كوردستان باتوا يدركون جيدا بأن الكورد أصبحوا منذ بداية الألفية الثانية رقماً صعباً في المعادلة السياسية الدولية ولا يمكن القفز فوقهم من دون حلً لقضيتهم، لذا يحاولون بشتّى الوسائل وضع العصي امام حركة التاريخ وتطوّر القضية الكوردية وتنامي الشعور القومي لشعب كوردستان، وهذا ليس بجديد وغريب على هؤلاء الأعداء والمتربصين، طالما تاريخهم يشهد على جرائمهم وأفعالهم اللاإنسانية لتطميس هوية الشعب الكوردي وطمرهما في متاحف التاريخ.

undefined


الدور المطلوب إعلامياً وتوثيقياً من الكورد اليوم

فالتقدُّم العلّمي والمدني والتكنولوجي والفكري السريع في مختلف مناحي الحیاة المعاصرة، والتبدّل والتغییر المستمرّ للمفاهیم والأفكار والرؤی والتصوّرات، كلّ ذلك دفع بالإعلام إلی أن یكون في الواجهة فبرزت أهمیته ودوره في تثقیف المجتمعات وضرورة إحاطتها بكلّ ما یجري حولها من أحداث ومؤثرات حتّی غدا الیوم مصطلح "القرية الصغیرة" الذي كان يثیر استغراباً قبل سنوات واقعاً و حتّی أصبح الإعلام في بعض جوانبه ما يمكن أن نطلق علیه الیوم" البیت الصغیر"، ومن هذا المنطلق توصّل علماء الإعلام الحدیث إلی أنّ وسائل الإعلام الحدیثة لها وظائف تتلخّص في: توسيع الآفاق، وإثارة الطموحات، وتأسیس المعاییر الاجتماعیة، والمساهمة في التخطیط الوطني والقومي، وتشكیل الاتجاهات من خلال تحریك الجماعات أو الأفراد للعمل في اتجاه معیّن، والتعلیم والتدریب، والمشاركة في صنع القرارات إلخ، فالسؤال المطروح أین يكمن الإعلام الكوردي بمختلف توجهاته ومنابره من كلّ ما تقدّم؟


لذلك حريّ بنا أن ندرك جیّداً بأنّ الإعلام الكوردي اليوم بحاجة ماسة إلى كوادر مؤهلة تقوده ليكون إعلاماً مهنياً وصمام أمان للحفاظ على الشخصية الكوردية، وردّ حملات التشويه المتعمّدة التي تستهدف الشخصية الكوردية في مختلف مراحلها الزمنية ولا سيّما اليوم، والوقوف بقوّة وموضوعيّة في وجه كلّ من يمسّ الشخصية بسوء أو أذىً ويحاول النيل منها، فالمعركة المصيرية الكوردية ليست سهلة في ظلّ وجود أعداء ظاهرين وآخرين يختفون وراء الستار، وخاصة الطابور الخامس فهو اشدّ خطرا على مستقبل القضية، لذا فما نحتاجه اليوم هو تأسيس مراكز دراسات فكرية وثقافية توثّق التاريخ الكوردي وثقافته وتكون بالمرصاد قي وجه كل من يستهدف شخصيتنا في بنيتها الثابتة والمتحولة والردّ عليهم بقوّة المنطق والأدلة والتوثيق، وكذلك تأسيس منظمات إعلامية مهنية تحافظ على ضوابط النشر وأخلاقيات الصحافة تبثّ بمختلف اللّغات العالمية وخاصة الإنكلیزية وتنشر من دون تضليل أوتحریف أو مبالغة، فمن المؤسف جدّاً أنّ بعض الوسائل الإعلامية تتجاهل المعايير الأخلاقية ولا تلتزم بها وتحوّلت إلى بوق دعائي أكثر من كونها وسيلة إعلامية لتوعية الشعب وإيقاظ وجدانه وتعريفه بهويته، والأهمّ أنّ الوسائل الإعلامية الكوردية يجب أن تخرج من طوطمها المقدّس وترتقي من الأطر الحزبية الضيقة نحو المصلحة القومية العليا والأهداف الاستراتیجية للشعب الكوردستاني للحفاظ على التاريخ والوجود.