يُعتبر الغـناء والموسيقا إحدى أهـمّ المكـوّنات في ثقـافة الشعوب، بل هي جزء حي ونابض من كينونتها، وهي بوصلة دقيقة لمعرفة حالة المجتمع النفسية والأطوار الإجتماعية التي مر بها، وهي كذلك اللغة الوحيدة التي تجمع الشعوب والتي يكتسبها افراد الأمة وينميها خلال بنيتها التاريخية المتحوّلة، بما تحتويه هذه الثقافة من قيم وعادات وآراء وآمال وأفكار ومشاعر، ويتم صياغتها بشكل فني وأسلوب جميل من خلال أبنية لغوية وصوتية، تجسد الواقع بكل وشائجه وتفاعلاته وتفاصيله، وقديما قال كونفوشيوس:" الموسيقا هي مرآة حضارة الشعوب"، أما روبرت شومان فأضاف:" إذا أردت أن تتعرف على أخلاق الشعوب، استمع إلى موسيقاها"، لذا نجد أنّ الحياة الثقافية ومنها الفنية في مدينة الدرباسية أسوة بباقي المدن الكوردية ترتبط ارتباطا وثيقا بالثقافة الكوردية العامة لما بينها من قيم فلسفية وقواسم مشتركة، وإذا قلنا إن الثقافة تتجسد في الفن والأدب فإننا نجد في المدينة كما غزيرا من المادة الأدبية ولا سيما الأدب الشعبي والذي يتجلى في القصص المتنوعة والأساطير والأعمال الغنائية البطولية والتي تعبر عن أصالة الإنسان الكوردي والقيم النبيلة التي يؤمن بها. وبالعودة إلى موضوع بحثنا نجد أن الغناء والموسيقا في المدينة قد ارتبط بمناسبات الزواج والأفراح في الدرجة الأولى، وكذلك بالأعياد والمناسبات القومية والدينية وخاصة عيد النيروز في 21 آذار، عندما تتفتح براعم الورود، وتلبس الطبيعة عمامتها الخضراء، فتتناغم قريحة الفنانين مع ألوان الطبيعة الزاهية في أصداء روحية تمتزج بنشوة الحياة والفرح، فخلال النصف الثاني من القرن العشرين بدأت الفرق الموسيقية والفنية تتشكل في المدينة وريفها لإحياء المناسبات الوطنية والقومية، وإحياء الرحلات والنشاطات الترفيهية التي كانت تأخذ أشكالا عدة: قومية، اجتماعية، عائلية، أمّا على المستوى الشعبي فهناك أغاني ودبكات الرقص: كوردية، عربية، ماردينلية وغیرها.
ويُجـدر بنا الإشارة إلى أنّ هناك جمهـرة من من المغنّيـين الشعبيين الذين كانوا يغنّون في المضافات الشعبية حيث يجتمع حولهم الجمهور، وغالبا ما كانت أغانيهم على شكل مواويل طويلة تتحدث عن قصص الحب والعشق والغرام، علاوة على ذلك كانت هناك أغاني (pesna= المدح) و (şera= الحروب) وهذه النخبة من المغنيين كانوا يتنقلون بين الريف والمدينة باستمرار.
وقد تطور الغناء والموسيقا في المدينة منذ بدايات النصف الثاني من القرن الماضي، ففي الخمسينيات كانت الأفراح والأعراس تحيا من قبل الفنانين المشهورين المرحوم نجيم طاهر أومري والمرحوم حسين وكان لقبهما نجيمي طمبورفان وحسيني طمبورفان، ومن أشهر المغنين والفنانين المشهورين المنولوجيست محمد أمين الكيكي الذي توفي عام 2003م والذي بدأ مسيرته الفنية عام 1968م، وفي عام 1969م اصطحب معه الفنان محمود عزيز إلى مدينة بغداد حيث قدموا مجموعة من الحفلات مع جمهرة من الفنانين الكورد هناك مثل محمد عارف جزراوي وعيسى برواري وتحسين طه ومحمد طيب طاهر والفنانة گلبهار ومن أغانيه المشهورة: (law şivanê berxika- eyşo xano- ewjî jine). وكذلك سعيد الكيكي الذي شارك بمعية محمد أمين في إحياء العديد من الحفلات الغنائية والفلكلورية أيام الثمانينات.
وعلى الرّغم من الظروف الاستثنائية والمضايقات التي كان يتعرّض لها هؤلاء الفنانون إلا أنهم تابعوا مسيرتهم بكل وفاء وإخلاص، مدركين المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم تجاه شعبهم، لذا فالملاحقات الأمنية والضغوطات لم تثن من عزيمتهم بل زادتهم إصرارا على المضي قدما في إرضاء أذواق جمهورهم، فمثلما لم تستطع الأجهزة القمعية للحكومات السورية المتعاقبة من منع الناس من التكلّم بلغتهم الأم كذلك لم تستطع منع الغناء الكوردي في الأعراس والحفلات، ولو أنها حاولت ذلك مرارا، فما يقال عن عازف البزق المشهور في الدرباسية حسن والذي كان يكتفي بالعزف في الأعراس دونما غناء، بإنه كان مغنيا ذات يوم، وأثناء عزفه في أحد الأعراس تهجم عليه رجال المخابرات لأنه كان يغني باللغة الكوردية وقاموا بضربه، ومن يومها صمت"حسني" عن الغناء واكتفى بالعزف فقط، والغريب أن معظم أعراس الدرباسية لفترة طويلة كانت تكتفي بعزف حسني من دون غناء، فقد كان عزفه كفيلا بجمع الأهالي في حلقة رقصة "الكورمانجي" الشهيرة لساعات.
ومن المطربين المشهورين رمو "رمضان نجم أومري" المطرب وعازف الجمبش وهو النجل الأكبر لفنان كوردي قديم هو" نجم أومري" الذي كان يغني ويعزف على الطنبور أو الساز الكوردي القديم بالأصابع دونما ريشة.
وكذلك الفنان العالمي صلاح عمو الذي عمل مدرسا في المعهد العالي للموسيقا في دمشق، وأسس فيما بعد فرقة "جسور" لنشر موسيقا بلاد الشام والرافدين.ومن أبرز المواضيع التي تحدث عنها الفن الموسيقي في المدينة بشكل عام هي: الحب، والظلم، والهجرة، والوطن، والحرمان، والتراجيديا الكوردية، ومن أشهر النجوم الفنية: الفنان والملحن الرحوم محمد علي شاكر، ومحمود عزيز شاكر، وكلستان سوباري صاحبة أغنية (Qamişloka evînê)، وبشير، وحسان، وحسين صالح، وزبير صالح، وعازفة الأوبيرا مزكين طاهر التي تنحدر من عائلة فنية فتأثرت بالأغاني الشعبية الكوردية التراثية حيث كان والدها من المغنيين الشعبيين فهي ظاهرة فنية فريدة في كوردستان فقد غنت للشعراء الكورد الكلاسيكيين (ملاي جزيري، يوسفي برازي، جكرخوين)، كما غنت لكبار الفنانيين الغربيين أمثال (فيردي، موزارت، بوتشيني..إلخ)، والفنان فوازي جتلي الملحن والعازف المتمكن على آلة الباغلمة، ومن الجيل الجديد الذين أغنوا الحفلات والأعراس بعزفهم وأغانيهم وألحانهم الحديثة: بهجت علي، رونيجان حسو، منتصر صالح، زهير علي، أحمد سلو، دلوجان، ومحمد شيخموس، وحميد إبراهيم، وحميد مشيرفة.إضافة إلی فنانین متألّقین آخرین أمثال شكري سوباري، ونوري علي وأخته نورا المحرومان من نعمة البصر، والفنان آي دل ومحمد شریف بارافي، والفنان بافي ولات والفنان بشر أبو رستم وآخرون.
ومن أبرز المطربين الذين يغنون أغاني عربية في المدينة: محمد شاكر، عمر سيدو، أيمن شاكر، عبد القادر طاهر عازف العود ...وآخرون.
تصنیف الغناء في المدینة
يمكننا أن نصنّف الغناء في مدينة الدرباسية طوال القرن الماضي وإلى اليوم إلى أشكال، أهمّها: