حين يقرأ الإنسان التّاريخَ بعين الباحث الذي يلهث خلف الحقيقة لا بعين الأعمى سيبني مواقفه على المنطق السليم للأحداث الّتي مرت عليها القرون وسيتخيل ويستحضر أمامه كلّ الفظائع التي ارتكبها مجرمو الحرب وشاربو الدماء ممن تمّ تقديمهم للناس على أنّهم أبطالٌ مقدّسون منزّهون عن الخطأ من قبل المحرّفين والكاذبين والمزوّرين للتاريخ ...
بما أنّ الإسلام بُعیدَ ظهوره ونشأته الأولی لم یعد كیاناً فكریاً متجانساً، فسرعان ماتعدّدت مذاهبه وتیاراته، فاستُغل من قِبل الآخرین لتحقيق أهدافهم وإحیاء أمجادهم القديمة، فالأتراك والفرس بنَـوا أكبر إمبراطوریتین(الصفویة والعثمانیة) علی أساس الخلاف الدیني والمذهبي بالدرجة الأولی، لذلك فالتلازم بین السلطتین السیاسیة والدینیة أمر جوهري لبناء أي كیان أو دولة، فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هو: لِمَ لم یخصّ الكورد نفسهم بإسلام سیاسي كغیرهم؟ ...
إنّ المجتمع الكوردي السّوري وإن كان في أغلبه یتدیّن بالإسلام السّني إلّا أنّ نمط التدیّن لدیه یأخذ طابعاً اجتماعیاً بخلاف التدیّن لدی القومیات الأخری في المنطقة والذي يأخذ طابعاً سیاسیاً یری بأنّ الإسلام هو النظام الأمثل للحكم وهو البدیل المنشود لنهضة الأمّة وإعادتها إلی ركب الحضارة والتقدّم من جدید. ...
إنّ منظري الإسلام السیاسي یؤمنون بالإسلام باعتباره نظاماً سیاسیاً متكاملاً للحكم یُصلح لبناء مؤسّسات، وعلی الرّغم من أنّ المجتمع الكوردي في سوریا في غالبیته دیانته الإسلام إلّا أن تديِّنه على اختلاف دياناته اتّسم بالاعتدال والوسطيّة من دون مغالاةٍ أو تطرُّف, وهذا ما يمكن أن نسميه بالتديّن الاجتماعي، أمّا سیاسیاً فقد اتّخذ العلمانیة كسبیل للتحرّر ونیل الحقوق. ...