للتاريخ أصابع مقطوعة (الحلقة ٢)

للتاريخ أصابع مقطوعة (الحلقة ٢)

حين يقرأ الإنسان التّاريخَ بعين الباحث الذي يلهث خلف الحقيقة لا بعين الأعمى سيبني مواقفه على المنطق السليم للأحداث الّتي مرت عليها القرون وسيتخيل ويستحضر أمامه كلّ الفظائع التي ارتكبها مجرمو الحرب وشاربو الدماء ممن تمّ تقديمهم للناس على أنّهم أبطالٌ مقدّسون منزّهون عن الخطأ من قبل المحرّفين والكاذبين والمزوّرين للتاريخ.

هؤلاء هم من صنعوا من الأقزام رجالاً عظام ومن الزناة أتقياء ومن القتلة واعظين ومن قطّاع الطّرق والّلصوص أشرافاً. هم من صوّروا حروب المذكورين بأنّها مقدّسة وأنّ خلفها إلهاً أو يقودها إله.


ولقد تفرّد الإسلامُ بهذه الحروب الّتي سمّيت بالمقدّسة، ونبيّ الإسلام هو أوّل من اخترعها وقنّنَ لها تشريعاً وتحت مسمّياته وقوانينه تلك غزا وقتل وسلب ونهب وسبى واغتصب .

(جئتكم بالذّبح) كلمتان تختصران ما تبعهما من جرائم دموية. وعلى سنّته مشى من جاء بعده ، فلا يخفى إلا على أصحاب العقول المغلقة أنه وبعد موت محمد بدأ تاريخٌ إسلاميّ دمويّ لا يقلّ عمّا كان في حياته.

كان يجمع المرتدين عن الدين الإسلامي في حظائر ثمّ يقوم بحرقها بكلّ من فيها

تاريخٌ طويلٌ من الفظاعات والويلات والجرائم التي تقشعرُّ لها الأبدان وترتعدُ لهولها القلوب.

ولعلّ أوّل بطلٍ دمويّ جاء بعد محمد، صاحبُه أبو بكر الصّدّيق في حروب الرّدة الّتي خاضها ضدّ الكثير القبائل العربية التي ارتدت عن الإسلام فور موت محمد ، القبائل الحالمة باستعادة حريتها المفقودة تحت وطأة القهر والظلم المحمّدي.


لكن وكما يقول المثل الشائع (تجري الرّياح بما لا تشتهي السّفن) اصطدم حلم تلك القبائل بأبي بكر فاستحال كابوساً مرعباً ، فقد قرّر الخليفة أمير المؤمنين أن يستعيد حكم الطّغيان وبقوة وشراسةٍ لا مثيل لها، وكان فارسهُ المغوار ولاعبه الأساسيّ على المسرح الدّموي وقتذاك ، خالد بن الوليد (سيف الله المسلول) العطش للدماء، النّهم للنساء، المتوحّش لقهر وقتل الآمنين.


كثيرةٌ هي جرائم حروب الردّة وكثيرةٌ هي المصائب الّتي جلبتها للناس ومنها أنّ خالداً كان يجمع المرتدين عن الدين الإسلامي في حظائر ثمّ يقوم بحرقها بكلّ من فيها.


ومن أشهر القصص رعباً عن خالد بن الوليد في حروبه تلك، قصته مع مالك بن نويرة ومفادُها امتناع مالك عن أداء الزّكاة دون ارتداده عن الإسلام ونكرانه له، وقد جاءه خالد وحين وقعت عينه على زوجة مالك وقعت في نفسه لشدة جمالها، حينها علم مالك بأنّه مقتول لا محالة، فالتفت إلى زوجته قائلاً: هذه الّتي قتلتني، لكنّ خالداً ردّ عليه وقال: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام .

فقال مالك: أنا على الإسلام .


وبانتهاء مالك من قوله أمر خالد ضرار بن الأزور بضرب عنق مالك ولم ينتهي الأمر بقطع رأسه بل تم وضع الرأس في قدرٍ موضوعٍ على نار وطُبخ (تُرى أيّ جريمة تعادل ببشاعتها جريمةَ خالد تلك).


ليس هذا إلا بعض الأمثلة من فظائع حروب الردة وغيرها الكثير الكثير وجميعها حدثت في عامين فقط.

كاذبٌ مَن يدّعي أنّ الكردَ دخلوا الإسلام طواعية

وبعد موتِ أبي بكر الصدّيق صاحب حروب الرّدّة ، خلّفهُ من اشتهر عند عموم المسلمين بالعدل والرحمة ، إنّه عمر بن الخطّاب ، قاتلٌ آخر لا يقلُّ دمويّةً عن سابقه، قاتلٌ قدّمه لنا تاريخ المسلمين على أنّه الفاروق العادل التقيُّ الورع.


لا عجب أبداً ، الأمّةُ الّتي تأخذُ الأمور معكوسةً مغلوطةً وتتعامى عن الحقائق وتبتعد عن المنطق الإنسانيّ والنور والعقل وتنحدر إلى مهاوي الجهل والعصبية والإنكار والتخلف ، تحيلُ الظّلم عدلاً ، والقتل واجباً مقدّساً ، والنّهب حقّاً ، والسّرقة غنيمةً ، والسّبي واغتصاب نساء النّاس وكراماتهم ضرورةً ووفق ميثاقٍ إلهيّ وأمرٍ سماويّ .


من أكثر الأكاذيب التّاريخية فضاحةً تلك الأكذوبةُ الّتي قرأناها في مدارسنا وانغرست في رؤوسنا كما ينغرس الرّمحُ في ظهر المغدور وتثبّتت في أدمغتنا تثبّتَ مؤخّرة الديكتاتور على كرسيّ سلطته ، أنّ المثل الأوّل للعدالة وإحقاق الحقّ والوجه الأكثر سماحةً ونورانيّةً هو أميرُ المؤمنين عمر بن الخطّاب.

الحقيقةُ غير ذلك تماماً، الحقيقةُ هي أنّ عدالة عمر هي ظلم عمر ، ورحمة عمر هي فداحة أفعاله.


أكثر الخلفاء الإسلاميين غلظةً وقساوةً عمر، هو الوحيد من بين الخلفاء وأد طفلته قبل إسلامه خوفاً من العار ، وهو الّذي أرسل الجيوش لإخضاع الشّعوب المجاورة ونهبَ خيراتِها وأهان كراماتها بعد إسلامه ، وهو الّذي قُتِلَ على يد مظلومٍ مسكين استنجد به شاكياً إليه ظلم الأسر وإهانة البدوي الجلف لإنسانيّته. والأسير هو أبو لؤلؤة الفيروزي( الفارسي) وحين شكا حاله لعمر نَهرَهُ وزجره وأمره بطاعة سيّده البدويّ بدل أن يأخذ حقّه ، فما كان من الأسير إلا أن يقتلَ الخليفةَ الظّالم الّذي سبق أن نظّم حملةً للاعتداء على بلاده ( فارس) وأعمل فيها السّيف والقتل والتّدمير والسّلب والنّهب والسّبي.

عمر هو الّذي اجتاحت جيوشه مصر وشعبها، هو الّذي ارتكبت جيوشه الفظاعاتِ فيها والمجازر والويلات.


فعدا القتل شريعة المسلمين في البلاد الّتي يدخلونها وعدا السّرقة والاستيلاء على بيوت وأرزاق النّاس الآمنين ... عدا ذلك كله سيلان اللعاب على نساء الخلق واغتصابهنّ.


فتياتُ ونساء مصر انتزعهنَّ جنود عمر من أهلهن ليبدأ مسلسل الجنس المفلوت من أي عقاب أو رادع وليتمّ جرُّهنَّ بعد ذلك إلى بلاد الصحراء لبيعهنّ في سوق العبيد والنخاسة فمن يد مغتصبٍ ليد آخر ومن يد بائع ليد شارٍ .


أما ما فعله الخليفةُ العادلُ بالشّعب الكرديّ فتلك روايةٌ أُخرى بل جريمةٌ أُخرى .


كاذبٌ مَن يدّعي أنّ الكردَ دخلوا الإسلام طواعية. 


المجازر الّتي تعرض لها الكرد خلال الغزو العمري الإسلامي لكردستان لا يتحملها قلب إنسان فيه أدنى درجات الإنسانية، فلقد تمّ قتلُ عشرات الآلاف من الكرد وتمّ سبي آلاف النّساء الكرديات وتوزيعهنّ على المقاتلين وإرسال الكثيرات منهنّ إلى الحجاز ومنحهنّ لكبار المسؤولين الإسلاميين.

كانت الغنائم كثيرةً والسّبي كثيرٌ وكان نصيب المسلم أكثر من واحدة من السبي بإشراف عمر.


ونعود لنقول ما هذا إلا بعض أمثلة الإجرام الممارس على يد هؤلاء ، الإجرام الذي فيه من الفظاعات ما لايقوى لسانٌ على الحديث به ، ولا يقوى قلبٌ على تحمّله، وربما لايقوى حتى قلمٌ على تدوينه.


المصادر: عن حروب الرّدّة، العلمانية ونقد الفكر الديني، الحوار المتمدن، باحثون