جگـرخوين ثـورة اجتماعيّـة وفكـريّـة في سبیـل الحـرّيّة والانعتـاق.

جگـرخوين ثـورة اجتماعيّـة وفكـريّـة في سبیـل الحـرّيّة والانعتـاق.

إنّ الشاعر الكـردي والأديب المبدع الثائر الذي ولد من رحم البؤس والفقر وتحوّل إلی ثورة اجتماعية، فكريّة علی البؤس والاستغلال والإذلال، لقد كان قامة شامخة في الأدب الكوردي, ومناضلاً صلباً، وحصناً منيعاً في وجه أولئك الذين أرادوا إذلال الإنسان وتحريمه من أبسط حقوقه الإنسانيّة التي نصّت عليها كل الكتب والشرائع السماويَّة, فعلى الرغم من مرور أكثر من خمسة وثلاثين عاماً على رحيله, لا زال دفء قصائده لا يتوقَّف عن التوقَّد في آذان محبيه, وإنَّ نور كلماته لا يزال يفيض في أرواحنا لتضيء لنا الدروب في غياهب الظلام والليالي الداجية, فما ولادته في عصر كان مجتمعنا يرسف تحت قيود ثقال إلّا نبوءة تبشِّر بميلاد عصرٍ جديد, حيث وُلد عام 1903م في قرية هساري بماردين في كوردستان تركيا, وبُعيد ولادته هاجرت أسرته إلى عامودا واستقرّتْ فيها, وقد توفي والده ووالدته عيشانة بعد وصولهما إلى عامودة بفترة قصيرة, فتبنّاه أخوه خليل وأخته أسيا, تنقّل جكرخوين بين القرى والبلدات الكوردية في سورية, ثمّ رحل إلى كوردستان العراق وإيران, حيث تعرّف على واقع الشعب الكوردي في الأجزاء الأخرى, وقد استقرّ بعد عودته في قرية تل شعير لمتابعة دراسته الدينية على يد الشيخ عبيد الله رحمه الله, ومن ثمّ الإمام فتح الله حتّى حصل على إجازته الشرعيّة في العلوم الدينيّة "ملّا", ثمّ مارس الإمامة في بعض قرى الجزيرة, وشغف بالعلم منذ صغره, وكتب الشعر وهو في ريعان الشباب, وذاع صيَّته بسرعة بين الناس الذين كانوا يتلقّفون قصائده ويتناقلونها فيما بينهم, حيث بنى جكرخوين آلام شعبه على صوت الضمير, وأظهرها شعراً موزوناً ملأ حناجر الجماهير في كلّ مكان, فكانت كلماته الثائرة أكثر وقعاً على الأعداء من وقع الحسام, ففضح مغتصبي قامة الإنسان الذين سلبوا حرّيّته, واغتصبوا إنسانيته, وأغرقوه في بحر من الجهل والظلمات, فتعرّض خلال حياته للملاحقة والتعذيب مرّات عديدة, ولم ينل ذلك من عزيمته الوقّادة, بل كان ذلك يزيده شموخاً وكبرياء وعطاء, إضافة إلى مشاركته الدائمة في النشاط السياسي, فقد ترك كمَّاً كبيراً من المؤلَّفات والتي انتشرت بين جماهير شعبنا رغم القمع والمنع والمحاربة. 


استقى جكرخوين لغته الأدبيّة من خلال ثقافته الواسعة والمتنوّعة, حيث درس الفلكلور الكوردي, وقلّد القدماء من شعراء الكورد أمثال الملا أحمدي خاني, وأحمد الجزيري, ولتفادي ضياع قصائده كان يتعمّد تذييل آخر بيت من كلّ قصيدة بكتابة اسمه, وقلّده في ذلك العديد من الشعراء الكورد فيما بعد, وعلى الرغم من أنّ بدايات جكرخوين كانت دينيّة حيث اهتمّ بتعليم العلوم الدينية على يد الملالي, فإنّه انخرط بعد ذلك بدراسة العلوم الدنيويّة, وتاريخ الثورات في العالم, وعمد إلى التجديد في القصيدة الكورديّة, وأشرفَ على مجلة «كلستان GULÎSTAN- أرض الزهور» منذ عام 1968م والتي اهتمت بالأدب والشعر والترجمة. حيث توفي في 22/ تشرين الثاني في عام 1984, بمدينة ستوكهولم في السويد عن عمر يناهز واحد وثمانين عاماً, ونقل جثمانه إلى مدينة القامشلي ودُفن في منزله بناءً على وصيته, وتحوّل ضريحه إلى مزار يرتاده الناس من كل حدب وصوب.


undefined


النزعـة الاجتماعيّـة، والفكريَّـة، والقوميَّـة في شعـرە

عاش جكرخوين في كنف أخيه خليل وأخته آسيا, فذاق مرارة اليُتم منذ نعومة أظفاره, فبدأت الحياة الفلاحيَّة العلقميَّة لفقير عمل مياوماً, راعٍ للمواشي وهو ما يزال غضّاً طري العود, هاجرت أسرته في أثناء الحرب العالميّة الأولى من هساري واستوطنت في عدّة قرى, كبقية الأسر الكورديّة التي هاجرت من أرضها إلى قرى قريبة أو بلادأ تفصل بينها وبين أرض المهد أسلاكاً شائكة, وما الشجن الشعري لدى جكرخوين إلّا انعكاس طبيعي لحياة الترحال والتشرُّد والمجازر التركية التي وقعت بحقَ كلٍّ من الكورد والأرمن, حيث انتقل من كوردستان تركيا إلى عامودا ومنها إلى إيران فالعراق ثمّ القامشلي, واليتم المبكر الذي عاشه, وامتهانه العديد من الحرف, ومنها رعي الأغنام .... كلّ ذلك خلق من شاعرنا شخصاً صُلباً مهموماً بأمته, ويعتبر من أوائل ممّن شاركوا في الحزب الشيوعي السوري, ومن مؤسسي جمعية خويبون الأدبيّة في 5/10/1927. التي اهتمَّت بنشر الوعي القومي والثقافة والأدب الكوردي, والّتي ضمّت العديد من المثقفين والأدباء على رأسهم كاميران بدرخان الشاعر السياسي, وحسن حاجو وآخرين, كما شارك في تأسيس نادي عامودا الثقافي عام 1932, ومن خلاله أظهر اهتمامه بتعليم اللغة الكورديّة للشباب, وبرز منهم العديد من المثقفين لعلّ أشهرهم نايف حسو الذي اشتهر باسم سيداي تيريز.


لقد اتّخذ جكرخوين من لحاق أمته بركب الحضارة والتقدّم, والتحرّر من الجهل والتخلف قضيّة جعلها منطلقاً لبلورة مشروعه النهضوي, حاول فيها ترسيخ القيم الفاضلة والمبادئ الرفيعة والخلاص من العبوديّة والاستغلال, ونادى بالتحرّر الاجتماعي للشعب الكوردي ولشعوب العالم كافة, فشخّص عوائق التقدّم, ورأى أنَّ الكورد أمة متخلفة تتناهبُ جسدها المنهك جراثيم التخلف, والفقر, والجهل, والعادات البالية, والاستغلال, استغلال رجال الدين ورجال الدنيا على حدّ سواء, لذلك فإننا نرى نزعته القومية ونزعته الاجتماعيّة والفكريّة التحرّريَّة كانت تسير متناغمة ومتلائمة لا يشوبها أي تنافر أو تناقض, وتأتي كلّها في سياق واحد ووحدة موضوعيَّة منسجمة, ذلك أنَّ شاعرنا كان ينادي في شعره وعموم أدبه بخلاص الأمة الكوردية على طريق التحرر الاجتماعي من باب " الفلسفة الاشتراكية العلميَّة",ومن هنا فقد طرق هذا الباب بقوّة وبشكل مباشر دون رموز أو إيماءات آملاً - حسب اجتهاده- أن يكون هو باب الخلاص والحرّيّة ليس للشعب الكوردي فقط, بل لجميع الشعوب أيضاً, لأنّ جكرخوين كان إنسانيّاً أو أمميّاً في نزعته الكورديّة, فتحدّى بعزيمة وصلابة الحكّام والطبقات الرجعية في المجتمع, ودخل معترك النشاط السياسي في الخمسينات فأيَّد الحزب الشيوعي السوري, ثمَّ ساهم مع مجموعة من المتنوّرين الكرد الذين انشقوا عن الحزب الشيوعي في تأسيس حزب (آزادي), وعندما تأسَّس الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا انضم إليه وأصبح عام 1958عضواً في لجنته المركزية, وبقي كذلك حتى وفاته .


بدأت الأعمال الأدبية لـجكرخوين في الثلاثينيات من القرن المنصرم, وتسرّبت الأفكار الوطنية والقومية للحركة التحررية الكردية إلى قصائده الأولى, وبجرأة لامتناهية يرفع الشاعر صوته شامخاً ضدَّ الشيوخ الذين استغلوا كدَّ الشعب وبذخوا من ثرواته الخاصة, وفي الأربعينيّات اتّسعت دائرة مفاهيم أشعاره بصورة ملموسة, فيكتب الشاعر في هذه الفترة بعاطفة متدفقة عن الاتحاد السوفياتي وإنقاذه للبشرية من الفاشية, كما كتب الشاعر عن الكفاح المشترك بين الكورد والشعوب المجاورة ضدَّ العدو الطبقي المشترك, كما مجَّد كثيراً أوصال الأخوة والتعاون المتبادل بين الشعوب داعياً إلى تمتينها و تقويتها.


undefined


لقد تبنّى جكرخوين في معظم أشعاره الأدب الاجتماعي الثوري الذي يترجم صراع الإنسان وآلامه, ويهدف إلى إيقاظ وعي الجماهير, وتحفيز وجدانها للنضال, فأدرك أن الأمل بات في وجوه هؤلاء البسطاء, وإنهم أساس أيَّة ثورة قادمة, فناضلَ بقلمه في سبيل إيقاظهم وتوعيتهم وتنوير فكرهم, وهنا لقي النجاح وبدأ الناس يلتفُّون حوله ويُدركون قيمة ما يقوله هذا «المارد على الدين» أو «المارق عن الدين» حسب اعتقاد رجال الدين, وذلك لأنه استوعب تطلُّعات الناس, واستشرف المستقبل من خلال معطيات الواقع, فالتزم بقضايا شعبه, وأدرك مسؤوليته تجاه الجماهير, فعايش تجاربها ومشكلاتها وشاركها نضالها من أجل تحقيق أهدافها في مواجهة الاستغلال و تحقيق العدالة الاجتماعية .


لقد كان جكرخوين يهدف من خلال ذلك إلى القيام بدور إصلاحي يطال المجتمع الكردي المتخلِّف بكلِّ وضوح, فبعد اعتناقه للماركسية وابتعاده رويداً رويداً عن الإيديولوجيَّة الدينية الاجتهادية منها, وانتقاله من صفوف الإصلاحيين إلى صفوف الثوريين جعله يؤمن بأنَّ أساس أيَّة نهضة اجتماعية أو قومية هم عامة الناس, والسواد الأكبر منهم هم الجماهير الكادحة التي سحقتها الإقطاعية وأذلّتها الأفكار الرجعية السوداء, لذلك نراه في أشعاره التي تلت ابتعاده عن رجال الدين يحجم عن مخاطبتهم, بل أصبح يخاطب الفلاح الذي أنهكه العمل في الحقل, و المريد الذي أعماه رجل الدين و جعله عبداً مطيعاً لا حول له و لا قوة, فعند هذا المريد البائس الشيخ الذي يحق له أن يدوس على رقبته من دون أن يتفوّه بكلمة واحدة .


يُعتبر جكرخوين من أشهر شعراء الكورد المعاصرين الذين لمعت أسماؤهم في سماء الأدب, حيث لامس أشعاره جرح الشعب, فدغدغ وجدانه, وحرَّك مشاعره , وهيَّج أحاسيسه حتَّى جعله يتمرَّد على واقعه, إنَّه الشاعر الذي غيّب ذاته في الكلِّ, و أُذيب الأنا في بوتقة ذاته وضميره, فكان شاعراً, ثائراً, فيلسوفاً, ومرشداً, ومصلحاً اجتماعياً, يوظّف كلّ ذلك في خدمة شعبه ووطنه الذي كان يحلم به (كوردستان ), وهو من الأوائل الذين قادوا النهضة القوميّة الكرديّة على كافة الصُعد الثقافيّة و الاجتماعية والسياسية في سوريا, وهذا واضح في حسّه القومي, إذ يقول:

مَن أنا؟ ... كورديٌّ أنا ...  في الأرض والسماء.

وفي قصيدة أخرى, يقول:

أين حدائقي وبساتيني؟ ...لقد احتلّها الأعداء... آخ.. أين كوردستاني..أين؟. 

بدأ حياته النضالية معتمداً على إيمانه العميق بحقِّ شعبه في الحرّيّة و الانعتاق, وحارب بثبات كافة أشكال التخلف الذي كان يخيم على المجتمع الكردي, وتحوَّل إلى منارة شامخة تضيء للأجيال دروب التحرر, فكتب الشعر الكلاسيكي, وشعر التفعيلة وكذلك قصيدة النثر, وبرع في تجسيد الحياة الكردية والآلام و المحن التي مر بها شعبه , فكان ملتزماً بقضاياه الاجتماعيَّة و السياسية, و مصرَّاً على الكتابة باللغة الكردية على الرغم من الصعوبات التي تعرض لها, وكان يعلّق على ذلك بقوله:«إذا كتبتُ بلغة الآخرين فإنَّ لغتي ستضمحل وتموت, أمّا إذا كتبت بلغتي فإنّ الآخرين سيحاولون قراءة و كتابة لغتي ».


أودُّ أن أقول بأنَّ الشاعر جكرخوين كان له هاجس واحد طوال حياته, وهو ثورة شاملة في جميع المجالات, لذلك نراه يدعو للثورة في شعره, ولم تكن هذه الدعوة حلماً شاعرياً, فبعد انتصار الثورة العراقيّة عام 1958, سافر إلى العراق العراق, وأصبح مدرِّساً للغة الكورديَّة في كليّة الآداب, وشارك في ثورة أيلول الوطنيّة عام 1961, وبقي في صفوف البيشمركة مدّة من الزمن, وبعد انقلاب عام1963 اضطّر للهجرة ثانية من بغداد إلى سوريَّة, وصفوة القول فقد مدّ جكرخوين ببصره إلى ما وراء الواقع ليرسم لوحة جميلة, قوامها العدالة الاجتماعية, و حريّة الإنسان, فاستطاع أن يغور في أعماق الإنسان الكردي البسيط , ويشعل فيها جذوة النضال و الثورة, داعياً إلى الحذر والاستيقاظ و النهوض لأن قطار الزمن يسير دون أن يلتفت إلى أحد.


undefined


جگـرخوين والإيديولوجيّة الدينيَّة الاجتهاديَّة

لقد وعى جكرخوين قضية شعبه في أوّل عهده بممارسة منصب رجل الدين (الملّا), فانتبه إلى اللوحة التي يعيش فيها زملاؤه من رجال الدين الذين حاصروا البائسين والفقراء وطوّقوهم بأفكارهم المُبتدعة, فكانوا يعيشون على أموال الزكاة والصدقات, فما كان من شاعرنا إلّا أن يوجِّه سهام نقده الإصلاحي إلى هؤلاء التعساء (الفقراء)من أبناء قومه, ودعاهم إلى إصلاح شأنهم, والخروج من الوضع المزري الذي يعيشون فيه طيلة حياتهم, فأوضح لهم بأنَّ وضعهم هذا ليس مقدوراً عليهم, وإنّما هي خديعة أو بدعة ابتدعتها طبقة دينيَّة سلّطتْ سيف العبودية على رقاب الجماهير التي لا حول لها و لا قوّة, فانخرط جكرخوين في صفوف الحركة الوطنيّة الكرديّة متأثّراً بالفكر الاشتراكي والنزعة التحرّريّة عموماً, فتخلّى عن زيِّ رجال الدين ليصارحَ شعبه بأفكاره الثوريَّة مُحدِثاً صدمة نفسيَّة آنذاك عند الكثيرين, وصار موقفُه حديث الناسِ في المجالس, إلّا أنّ دعوته الثوريِّة التحرّرية هذه لم تلقى نجاحاً في صفوف رجال الدين, بل أنكروا عليه هذه الدعوة الجديدة والجريئة وسبَّبوا له المتاعب و إزعاجات شتّى, وضيَّقوا عليه الخناق, ورسموا حوله دائرة الحصار الديني, وكأنه ( حصار إلهي), إلّا أنّ جكرخوين لم يستسلم لحصارهم فوقفَ إلى جانب الفقراء والكادحين من أبناء قومه, وارتدى ملابس الأطباء, وحمل في يده المدية ليستأصل بها الآفات والأمراض التي عشّشت في بنية المجتمع الكردي, فوجَّه نقده اللاذع إلى رجال الدين فاتّهمهم بالكفر والخيانة القومية والإنسانية, ودعا الشعب إلى محاربة الآغوات المرتبطين بالأنظمة المعادية لتطلعاتهم ومرتدي عباءة الدين من غير الآهلين لذلك, وفيهم يقول:

هبّوا أيُّها الأخوة... حاربوا...الآغوات والشيوخ أنّهم أوّل الأعداء.

لقد كان جكرخوين يهدف إلى إصلاح المجتمع الكردي المتخلف فخاض نضالاً مريراً ضدَّ هؤلاء الإقطاعيين (شيوخ الدين ), الذين استغلّوا الدين لتحقيق مصالحهم, لذلك اعتبروه آفة خطيرة على خططهم المستقبلية في تركيع هؤلاء البسطاء نحو سياسة الطاعة العمياء,وإبعادهم عن مناهل العلم والحضارة ومظاهر الحياة المتطورة والمتقدمة, فكلّ شيء متطور عند رجال الدين في عصره هو شيطان أو من أعمال الشيطان والكفر, فعلى سبيل المثال: «المذياع شيطان ناطق يدعو أهل الدين إلى الكفر والخديعة والخروج عن طاعة الله ورسول »«القطار شيطان متحرِّك ينقل عباد الله الصالحين إلى التهلكة وإلى نار جهنم»«والذهاب إلى المدارس وتلقي العلم والمعرفة في مدارس المُدن هو عصيان على أوامر الله ورسوله». 


لذا كان جكرخوين يشير بأصابع الاتهام بكلّ صراحة إلى شيوخ الدين ورؤساء الدنيا- الآغوات والبكوات- ويصفُهم بالجراثيم التي تفتك بالجسد الكوردي, وبينما هو يائس من الشيخ والآغا في خوض معركة التحرّر كان يلجأ إلى عنصر ثالث مستنير لكنّه خائف وضعيف الإمكانات ألا وهو المثقّف الكوردي التقليدي(الملّا) وطالب العلم, فكان يحاول تحريضه وفصله عن شبكة الشيخ والآغا, وزجّه في ميدان النضال التحرّري, لذا فإنّه في عدّة قصائد في دواوينه يوجّه الخطاب إلى(الملّا) ليتجاوب مع نداءات شعبه وصراخ اليتامى والأيامى والثكالى والجائعين الذين بلغت استغاثاتهم عنان السماء, يقول عبد الوهاب الكُرّمِي في مقدِّمة كتاب «مع روائع جكرخوين الشعريّة» بأنَّ القدَرَ قد أتاح له فرصة للحديث مع جكرخوين على متن القطار عام 1977, حيث قال له جكرخوين: «لا أملَ لي في الشيوخ والآغوات ,ولكن آملُ في دورٍ إيجابي للملالي والشباب الطالع والمتديِّنين المستنيرين».


لقد كان جكرخوين يهدف إلى إصلاح المجتمع الكوردي, وتحريره من قيود التخلف, فاقتحم صفوف الجماهير الفقيرة, واختار لنفسه معجماً شعريَّاً خاصاً به, غايته توحيد الهموم عند الإنسان الكوردي ليصبح جزءاً من هموم الإنسانيّة في كلِّ مكان, وإنقاذه من مهزلة رجال الدين وسطوتهم اللاأخلاقيّة تجاه الإنسان البسيط من أبناء مجتمعا, فوقف ضدّهم لأنَّهم برأيه قصيروا الرأي والنظر, وغارقون في ركام التفسيرات الانتقائيَّة المزاجيَّة المشوَّهة لأصول الدين, فكان معلماً بارزاً في نضاله السياسي وما زلنا حتّى اليوم بحاجة إلى هذا البعد العصري في نضالنا وحياتنا اليوميّة.


undefined


أبـرز أعمـال جگـرخوين

كان ترحال جكرخوين المستمرّ بحثاً عن العلم والمعرفة سعياً للتزوّد بكلّ ما يرفع من إمكاناته التي ستؤهله لخدمة كوردستان وأبنائها, فوضع كتاب " قواعد اللغة الكورديّة", وكذلك ألّف قاموساً في الكورديّة من جزءين, وقام بنظم المخطوطة التاريخيّة"شرفنامه منظوم"والتي كانت مكتوبة بخطّ الملّا عبد الهادي – ديركا جيايه مازي عام 1942,وهي تتألَّف من 742 مقطعاً شعرياً, وتُعتبر وثيقة تاريخيَّة تحكي أحوال زعماء الكورد ومكانتهم, ألَّفها شرف خان بدليس عام 1005 هجرية باللغة الفارسية حول أنساب العشائر والأمراء الكرد, وكذلك فقد خلّف ثمانية دواوين شعريَّة تحكي قصص الكفاح الكردية, والتقلُّبات السياسيَّة التي عاشها الكرد خلال فترة حياته, والفخر بانتمائه الكردي, وخطبه السياسية والتي كانت تحمل العديد من الدلالات السياسيَّة و الإنسانيَّة, يفسّر ذلك سرّ الكلمات الجزلة التي احتشد بها شعره على حساب استعمال الالفاظ الرقيقة, وهذه الدواوين هي ( pêt û pirîsk وطبع عام 1945م في دمشق), وديوان( Sewra azadî طبع في دمشق1954), أمّا ديوانه الثالث (Kime ez فطبع في بيروت). أمّا باقي الدواوين فطُبعت كلّها في ستكهولم وهي (Ronak 1980) , (Zend evista 1981) و (Şefeq 1982 و(hêvi1983), أمّا ديوانه الثامن والأخير (Aştî فطُبِع عام 1985) بعد سنة من وفاته. ومن القصص :(جيم وگوڵ پەری، ڕەشۆیێ داری، سالار ومیدیا) إضافة إلى أعمال أخرى كثيرة لم تُطبع بعد. وصدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب وضمن "المشروع الوطني للترجمة" كتاب (مختارات للشاعر جَكَر خوين)، للشاعر الكردي جَگرخوين، و بترجمة إدريس مراد.


بعـض المراجع المستفادة

  1. موجز تاريخ الأدب الكوردي المعاصر, الدكتور معروف خزنه دار, الترجمة عن اللغة الروسيّة, الدكتور عبد المجيد شيخو.
  2. مع روائع جكرخوين, إعداد وتقديم عبد الوهاب الكُرمي, دار الزمان.
  3. دواوين جگـرخوین.